ماذا يخطر في بالك حين تسمع كلمة برشلونة.. المدينة الكتالونية التي ترغب في الانفصال عن إسبانيا أم النادي.. البارسا؟
“أنظر إلى المرآة حتى يمكنك الاستماع إلى أكاذيبك، أبي قال لي ذات مرة أن أمتنع عن إهداء ثقتي لمن يذهبون إلى الكنسية كل يوم أحد ويجلسون في الصفوف الأمامية، وأن أثق فقط في من يجلسون في الصفوف الخلفية، وأنت ممن يجلسون في تلك الصفوف الأمامية، بل أيضًا تمتلك الكثير من الأمور التي تريد إخفاءها“.
*يوهان كرويف المدير الفني لفريق برشلونة بعد إخباره بقرار إنهاء عقده موجهًا كلامه لجوان جاسبار نائب رئيس النادي في ربيع عام 1996.
المكياج يبدو أقل كثيرًا، ولكن نفس الوعي بوجود الكاميرا ما زال موجودًا بابتسامة خفيفة، بيب جوارديولا أيقونة نادي برشلونة لاعبًا ومدربًا على مدار الـ25 عامًا الأخيرة، يبتسم لهذه الكاميرا واضعاً ورقة تصويته الخاص بـ(نعم)، خلال التصويت الرمزي في نوفمبر الماضي على استقلال إقليم كاتالونيا عن الدولة الإسبانية، نفس الابتسامة الخفيفة التي ظهر بها في مارس الماضي خلال إعلان تلفزيوني لإحياء ذكرى وفاة سلفادور أنتيك، الأناركي الكاتالوني في السبعينيات، الذي يُعتبر آخر من طبق فيهم حكم الإعدام تحت حكم الجنرال فرانكو. في الابتسامة التي أظهر من خلالها تأييده
برسالة مصورة عن طريق برنامج سكايب، مؤيدًا لقرار الاستقلال الكاتالوني في نهايات عام 2012 من نيويورك موقع فترة سباته الكروي المؤقت كمدرب، قبل التوقيع لناديه الحالي بايرن ميونيخ، ابتسامة تحولت لضحكة أثناء إعلان تليفزيوني آخر في صيف نفس العام مدته 18 دقيقة كدعم لبنك ساباديي الكاتالوني، أثناء أزمة خانقة أجبرته على تسريح 2000 موظف وإغلاق 400 مكتب في أنحاء إسبانيا، ابتسامة تحولت لقليل من الجدية أثناء إلقاء كلمة بحفل تكريمه من البرلمان الكاتالوني نفس العام، مذيلاً خطابه بجملة “نحن شعب إذا عمل
رقعة بلا لاعبين
حالة الوعي السياسي الملحوظة من ابن عامل بسيط من بلدة سانتبيدور الصغيرة يجيب عنها الصحفي رامون ميرابيتياس في كتابه اللاهث والمرهق “الوظيفة السياسية للبارسا”، الذي يعتبر أن جوارديولا مثله مثل كل أبطال الكتاب الأساسيين من المنتميين لعالم البارسا مجرد قطع شطرنج بلا لاعبين، تتحرك أحيانًا على نحو أكبر من طاقتها، لها دور ينتهي في الأغلب بخروجه من الرقعة، مع احتمال عودته مرة أخرى بعد فض اللعبة والبدء من نقطة الصفر مرة أخرى، قطعة شطرنج تماثل تلك التي تزين غلاف الكتاب، قطعة خشبية
ظهره للكاميرات وبنصف ابسامة يصوت بيب جوارديولا لانفصال كتالونيا عن إسبانيا.. نفس الابتسامة التي ظهرت خلال إعلان تليفزيوني لإحياء ذكرى وفاة سلفادور أنتيك، الأناركي الكاتالوني في السبعينيات!
خشبية ترتدي قميص البارسا بالخطوط الحمراء والزرقاء، مع ربطة عنق بألوان علم الأقليم الكاتالوني الحمراء والصفراء، والمعروقة بـ”السينييرا”.
الوظيفة السياسية للبارسا
هو متاهة كبرى في شرح علاقة النادي بالأقليم سياسياً واجتماعياً تحديداً من بعد فترة التحول الديموقراطي وكتابة الدستور الإسباني الجديد، رغم اتباعه مسارًا زمنيًّا منطقيًّا، منذ تولي جوسيب نونييث رئاسة النادي في عام 1978، وسنوات “حكمه” الـ22، وحتى الشهور الأخيرة لساندرو روسيل الذي قدم استقالته قبل نحو عام في تورطه بقضية تلاعب مالي في صفقة شراء نيمار،
لعنة طالت كل من لامس مقاعد السلطة بالنادي خلال تلك الفترة، كفراشات ليلية حالمة ببقع النور، تقع في نفس الفخ دون أي مقاومة. المتاهة أتاحت لميرابيتياس كشف العلاقات المتشابكة التي تحكم الواقع الكاتالوني ونخبته الفكرية والاقتصادية والسياسية، في مزيج بين ثرثرات ونميمة مخلوطة بكحول حانات أيام الآحاد البطيئة وبين التحقيق الصحفي في أفضل حالاته، كتاب ميرابيتياس حافل بالقياصرة والألقاب والإمبراطوريات المترهلة، وبالعهود البائدة، والأسماء التي تحولت إلى آيديولوجيات، فهناك “النونيزمو” نسبة إلى “المقاول الفرعون” نونييث،
قبل قدوم نائبه “الفندقي” جاسبارت إلى كرسي الرئاسة عام 2000، ثم “اللابورتيزمو” نسبة إلى جوان لابورتا رئيس النادي عام 2003، مرورًا بـ”مندوب المبيعات” ساندرو روسيل منذ عام 2010، كتاب حافل بالشخصيات الشكسبيرية التي يبدو طموحها كسفينة عملاقة عامرة بالثقوب، قبل النهاية التراجيدية، دوائر متواصلة من الغدر كشخصيات أفلام فرانشيسكو روزي، عنف لفظي ونزعة عدمية كمسرح ديفيد ماميت، عندما تصل إلى مرحلتها العبثية تغدو شبيهة بعوالم المخرج جاي ريتشي. رقعة الشطرنج الرمادية الكاتالونية تغمرها
شخصيات ثانوية أخرى كحزب التجمع الديموقراطي، بنزعة يمين الوسط التقليدية التي حكمت الأقليم لعقود بتحالف مع الاتحاد الديموقراطي الكتالوني، الحفاظ على “الطابع” الكتالوني مع عدم قطع الخيوط مع الدولة المركزية، تحت نظر رئيس جوردي بويول الحكومة المركزية السابق وتلميذه الحاليي أرتور ماس، حزب اليسار الجمهوريين الكتالوني الراديكالي في نوايا الاستقلال التام، الحزب الاشتراكي الكاتالوني بنزعته الفيدرالية التي يتبع بها الحزب الأب في مدريد، إلى جانب قطع أخرى من فلول فترة فرانكو المتناثرة بين الحزب الشعبي، وكتائبيين
من اليمين المتشدد سابقًا، وإلى جانب حزب التحالف الشعبي، والخضر لاحقًا. هرم الفرعون
ميرابيتياس يستخدم على نحو دوري أسلوب طرح الأسئلة الجوهرية المهمة، ما البارسا؟ ما الفارق بين “الطابع الكتالوني” وبين “القومية الكاتالونية”؟ هل كل مشجع لبرشلونة انفصالي؟
هل كل انفصالي هو مشجع للبارسا؟ هل هناك “وظيفة” سياسية للبارسا أم “توظيف”؟ كلها أسئلة حاسمة تحكم العلاقة المتواصلة لمدة تقارب الأربعين عامًا بين كل أطراف الرقعة، في رحلة شد وجذب ما زالت مستمرة حتى نهايات عام 2014.
منذ صفحات الكتاب الأولى يبدو نونييث في حالة شد وجذب مع حزب التجمع ذي النفوذ، بتحالف “المقاول” مع نيكولاو كاساوس، الجمهوري الراديكالي سابقًا أثناء الحرب الأهلية الإسبانية في الثلاثينات، إلى جانب حملة تكلفت 50 مليون بيسيتا، وتحت شعار “من أجل بارسا منتصر”. مقاومًا حالة تنقيب من مخبرين سريين تابعين لمنافسه للكشف عن فضائح سابقه لنونيث، الذي خرج منتصرًا وسط هتاف المعارضين له بأنه “فاشي” لعلاقاته السرية مع فلول الحزب الشعبي، وبهتاف من مناصريه بأنه أول “رئيس منتخب على الإطلاق في فترة التحول الديموقراطي”.
ميرابيتياس يصف نونيث بأنه رجل أعمال بالغ الذكاء، بلدوزر لا يقف شيء أمام طموحه، فعليًّا هو لا يعبأ بالسياسة، كتالونيا بالنسبة له يجب أن تصبح في خدمة البارسا، الكاتب يصفه بالفرعون الذي يبغي أن يصبح البارسا هرمه الذي يخلد اسمه للأبد، لاعبًا بكل الخيوط، واضعًا ممثلين لكل الأحزاب ذات النفوذ داخل مجلس إدارته، ولكنه كان يمقت السياسية، واضعًا كل من يعملون تحت إدارته بين اختيار البارسا، الانخراط في العمل السياسي، رافضًا وجود مراكز قوى أخرى، ولو كانت باسم يوهان كرويف صانع أكبر حجم من الألقاب المهمة تحقق في عهد أي
رئيس للبارسا، قرار إبعاد كرويف في ربيع 1996 كان أول قطعة من تساقط هرم نونيث، للدرجة التي استخدم فيها كرويف (حسب قول بعض الشهود) جملة صاعقة في شجاره مع جاسبار نائب رئيس النادي: “بأن الرب سيعاقبكم جميعاً على ما تفعلونه، أنت ورئيسك والمجلس بأكمله، ويبدو أن الانتقام بدأ مبكرًا بمرض حفيدة نونيث”. نونيث كان يؤمن بأن المدينة هي التي تحمل اسم النادي، رئيس البارسا أهم من رئيس الحكومة المركزية، لا بأس من “واسطة” في الحزب الشعبي للسماح بلاعب بالسفر رغم أداء الخدمة العسكرية، أو عقد
صفقات مع الشرطة مطلع الثمانينيات، لترتيب إعطاء جنسية لتارانتيني اللاعب الأرحنتيني، تجنباً لقاعدة للحد الأقصى من الاعبين الأجانب في الفريق، مشروع بارسا 2000 هو مستقبل هرمه الرياضي الاقتصادي، الماسيا، الكان بارسا، والمركز التجاري الذي كان ينوي إقامته مكان ملعب ليس كورتس القديم، واصفًا معارضي المشروع بأن قاطني حي ليس كورتس يعارضون مشروعنا لأنه يفسد أرباحهم من فتيات الليل اللاتي يعملن في المنطقة”.
الفيل الأزرق
نونيث بقى على قيد الحياة رئيسًا وسط كل المحاولات لإسقاطه، التي تضمن
استخدام قناة TV3 الكتالونية بشكل مستتر ضده، دعم منافسين محتملين أمامه من قبل التجمع الديموقراطي، إلا أن مقاومته لمجموعة شباب باسم “الفيل الأزرق”، تحت قيادة محامي شاب باسم لابورتا لم تستمر طويلاً، براجماتية “النونييزمو “لم تجد حلاً لأفيال زرقاء تحمل ميولاً قومية مبكرة، وطموحات سياسية بلا حدود عن طريق الوصول لرئاسة البارسا، وسط عالم جديد في الرياضة الإسبانية تتحكم فيه بجزء كبير مؤسسات Godo للصحف ومجموعتا ZERO، وPRISA الإعلاميتان في نهاية التسعينيات. مجموعة الفيل الأزرق تحملت ست
سنوات أخرى حتى عام 2003 لإنهاء ما تبقى من جيل “النونيزمو“، لينتهي المطاف بلابورتا رئيسًا وساندرو روسيل “مندوب المبيعات” نائبًا، بعد سلسة من الطعون والكوارث المالية ومرهق أرجنتيني يدعى ليونيل ميسي هي كل ما تم وراثته من حقبة جاسبار القصيرة في الرئاسة، جاسبار الذي وصفه ميرابياتس بأنه “وفي لعقيدته المسيحية، ولكنه لا يمانع في الكذب 24 ساعة من أجل مصالح النادي” نسخة من أستاذه نونيث في افتقاده لمهارات التواصل المباشر مع الآخرين. التحول التدريجي لنبرة قومية ممنهجة من قبل لابورتا (كينيدي الكاتالوني ذو الـ42 عامًا) هو
هو ربما الجزء الأكثر إثارة في “الوظيفة السياسية للبارسا”، طريق يبدو ممهدًا لجيل الـPower Point كما يسميه الكاتب، أسلوب حديث في الإدارة، تصاعد نغمة انتقاد الفريق لوجود أغلبية من اللاعبين الهولنديين محل اللاعبين المحلييين الكاتالونيين، صراع محتدم مع مجموعة “البويس نويس” الراديكالية من مشجعي البارسا، التي تمتعت بمميزات عديدة مع نونيث، لتجد نفسها مطرودة من ملعب الكامب نو، حملة تقشف حادة، ونتائج رديئة للفريق في الشهور الأولى، تهديدات بالقتل وإيذاء الأقارب من جانب كل الأعداء المحتملين، ومن ضمن
أعضاء مهمين في الحرس الوطني، إنها العلاقة التي سماها ميرابيتياس بـ”قيصر القلق وبروتس الخفي” خلال عام واحد ومع نجاحات الفريق المتأخرة في عام 2004، أصبح الشعار “لابورتا رئيسي، وكاتالونيا مستقلة”، “مهمتنا هي إعادة القومية الكاتالونية للنادي”، المشاركة الفاعلة في اليوم القومي للإقليم 11 سبتمبر، بما يعطي الانطباع الكامل بأن البارسا هو الركن الثالث من هوية الأقليم إلى جانب الحكومة الذاتية وبنك كايشا العريق.
كل هذه النبرات بدت منطقية وسط التحرشات المستمرة من جانب الحكومة المركزية لميجيل أنخيل أثنار في مدريد.
في وسط كل هذا يبدو أن لابورتا خرج منتصرًا، حتى بدت مواكب الباص للفريق في تجولها بالمدينة بأنها “وسط كل هذا الاحتفاء الشعبي أصبح الموكب بمثابة طقس ديني، تظهر فيه النخبة السياسية خضوعها الكامل للقيصر الروماني المنتصر على المتوحشين من أعداء الأمبراطورية” حسب قول أنخيل ثاراجوثا أستاذ علم الاجتماع في جامعة برشلونة.
قيصر واحد وأكثر من بروتاس
حتى بدا لابورتا منتصرًا من طعنة نائبه “بروتس روسيل” الذي يبدو أن صداقاته الخاصة وقبوله بمبالغ مالية ببعض المقربين من فلول فرانكو مثل
أليخاندرو إيتشيباريا، ومن بعدها عملية الاختلاف حول النسبة التي سيحصلون منها على عملية بيع نجم الفريق الرازيلي رونالدينيو إلى تشيلسي، هل كان ينوي قيصر التهام بروتس؟
أم أن الأخير كانت لديه النية المبكرة للإطاحة بقائده، لابورتا يصف منتقديه بأنهم “سكورساليستاس” وهم من أذعنوا للعائلة الملكية ومناصري النظام والقوميين الإسبان المتعصبين.
الخطوة التالية كانت إهداء علم السينييرا الانفصالي كألوان لقميص الفريق الاحتياطية في نبرة تحدٍ أخرى من لابورتا، إلا أن ميرابيتياس يوضح أن لابورتا نفسه مع مرور السنوات “نموذج
مشابه للجنرال فرانكو نفسه بالعمل على جبهتين، جبهة البرجوازيين الرافضين لمركزية مدريد من ناحية، الذين لا يمانعون في التعاون منها، رافعًا شعار “أكثر من مجرد نادي” كشعار لكاتالونيا كلها، تناقضات لابورتا وصلت للحد الذي ينزل اتهامات متتالية لمنتقديه بأنهم “أصحاب الحنين لفرانكو”، في الوقت الذي يسعى لعقد رعاية من جانب حكومة الصين الشعبية، التي تعتبر في أعين النخبة الكاتالونية نفسها بأنها بلد قامع للحريات، نفس التناقض الذي عانى منه روسيل لاحقًا كرئيس للنادي في تعاقداته المتواصلة مع المؤسسات القطرية، بديلاً عن وضع شعار اليونيسيف المجاني.
لابورتا برفقه سيجاره الكوبي الشهير وعشرات الباباراتسي الذين صنعوا حياة مستقرة على حسابه ..
لابورتا كان نفسه متورطًا في أزمة خصوصية الللغة الكاتالونية، فيما بدا مسهمًا غير مباشر في رفع شعارات خلال مباراة البارسا مع أوساسونا في نوفمبر 2005 نظمتها جمعية العمل من أجل اللغة الكاتالونية مفادها: “تعيش اللغة وتعيش البلدان المتحدثة بها”، وهو ما سبب أزمة حادة لأقليمي فالنسيا وجزر البايلار، والرافضة لوضع شعار يتحدث بالنيابة عنها في ملف اللغة الكاتالونية أو حتى فكرة “كالتالونيا الكبرى“، لفترة من الوقت كان لمدينة برشلونة رئيسان، ماس للحكومة المركزية ولابورتا نفسه، ليصبح طرح لابورتا السياسي من خلال فترينة البارسا أمرًا بالغ التعقيد، لدرجة
جعلت من رابطة ألترا يوموس يسارية الطابع إعلان شعار “نعم لكرة القدم، لا للسياسة”. في نفس الوقت، تحول البارسا في عقلية المتحمسين للقضية القومية إلى بعد آخر، يتعلق بالعقلية الكاتالونية التي تبحث عن دور الضحية عندما تسير الأمور في الاتجاه المعاكس. ”البارسا كفريق ناجح يجب أن يصبح مرجعية لأقليم اعتاد الانهزامية، البارسا أضحى منتخبًا للأقليم”.
أكثر من مجرد ناد
نفس الفكرة التي تتعلق بكون البارسا كان الملجأ الوحيد الذي يمكن فيه لـ100 ألف متفرج أن يعبروا عن هويتهم في فترة قمعية خلال الخمسينيات والستينيات..
الحشود في شارع رامبلا الشهير يشكلون حروف كلمه استقلال!
كان فيها تجمع أكثر من أربعة أشخاص معاً ممنوعا قانونًا (نفس المحور الذي رافق مشجعي لاتسيو الإيطالي من اليمين المتطرف خلال السبعينات، كان ملعب روما الأوليمبي هو ملاذهم الوحيد)، بل هل كل مشجع للبارسا مسموح له فقط بحمل الهوية الكاتالوني؟ ماذا عن مشجعي فريق إسبانيول في نفس المدينة؟ هل هذا يليق بنادٍ كان مؤسسه هو السيد جامبر، سويسرى الأصل، مستعينًا بلاعبين إنجليز وألمان بروستانت في نهاية القرن التاسع عشر؟ ميرابيتياس يخصص فصلاً خاصًا عن تلك العلاقة العتيقة بين النخبة السياسية الكاتالونية والبارسا،
بين تهريب 1000 علم سينييريا داخل الكامب نو في تظاهرة كروية عام 1974، الرمز الكاتالوني العريق جاسينت بوراس وطرح فكرة إحياء اللغة الكاتالونية بشكل علني منذ عام 1951، وهو ما استوعبه جوردي بويول والحكومة الذاتية بعدها بـ20 عامًا أن يكون البارسا هو القاطرة للترويج للقومية واللغة الكاتالونية، “تسويق فكرة وطن حديث عن طريق فريق كرة قدم”، الفكرة التي راودت القوميين منذ الستينات، وصولاً للذروة مع رئيس النادي في 1968 السيد نارسيس دي كاريراس بمقولة “نحن نمثل أنفسنا، نحن نمثل هويتنا، البارسا أكثر من مجرد ناد”.
أكثر من مجرد مدرب الهيستيريا القومية لمجموعة لابورتا وصلت لحدها الذي أغرق صاحبها، لابورتا نفسه بدا منغمسًا في كونه “بلاي بوي” بحفلات نخبة المجتمع الكتالوني، البارسا بالنسبة له “أداة ترويج للثقافة الكتالونية من الأفضل تركها تنمو، حتى لا يصبح البديل استقلال الأقليم كله”، هو نفسه وقع ضحية تعاملات من الباب الخلفي مع شخصيات من إدارة الرئيس الأوزبكي إيسلوم كارموف، في عمولات مباشرة مستغلاً الطابع العالمي للفريق، والثري ميرالديل جالالوف، وتوسط “القيصر” من أجل تسهيل بيع مايوركا لجالالوف، بعدها أصبح السقوط أكثر سرعة، وفريسة لأحزاب وجدت في
لابورتا سوبر ستار مبالغ في قدراته، منقذه الوحيد كان رهانًا على شاب لم يكن مناصرًا له في انتخابات 2003، باسم جوارديولا. ميرابيتياس يعتقد أن جوارديولا جاء في الوقت المناسب، مقدمًا نموذجًا يجمع بين معتقد حزب التجمع الديموقراطي التقليدية عن خصوصية كتالونيا والتصويت لاستقلاها، دون قطع روابطها الإسبانية، نموذج للكاتالوني الخالي من عقود نقص الماضي، أسلوب إدارته يتعدى الجانب الرياضي، حسب ما يوضح الكتاب أن جوارديولا منذ أن كان لاعبًا كان “النقيض للفكرة التقليدية للكاتالوني الغاضب الحانق المحتج في مواجهة البهجة التي يمثلها ريال مدريد مثلاً"!
جوارديولا نفسه أصبح “أكثر من مجرد مدرب”، ليصبح خطة طريق لكاتالونيا نفسها حسب المراقبين. وكعادة الأمور بالنسبة للبارسا في ظل الطموحات المتضاربة، كان روسيل عامل طرد لجوارديولا لنموذج رئيس ناد، ليس لديه احتكاك بالسياسة كاحتكاكه بفكرة “البيزنيس”، “لقد باع قميص البارسا لقطر مقابل طبق من العدس”، يدعو جلعاد شاليط لحضور مباراة، ليرد على الغضب العربي والفلسطيني بدعوة لاعبين فلسطينين لحضور مباراة أخرى، دعوة محمود عباس مرة، وتارة أخرى شيمون بيريز، روسيل كان رئيس “رد الفعل” في مقابل “رئيس الفعل” لابورتا، إنجازه الوحيد أن حملته التسويقية
جيرار بيكيه لاعب الفريق وأحد أهم الداعمين للانفصال في لحظه قوميه مع ابنه ميلان في الكامب نو
جعلت الكاتالونيين ينظرون للياباني الذي يرتدي قميص البارسا بأنه كاتالوني أكثر من ابن المدينة التابع للغريم إسبانيول. روسيل كان يحاول أن يجعل تحالفاته الحقيقية مع نايكي، أودي، الخطوط التركية، الخطوط القطرية، كوكاكولا، القناة الثالثة الكاتالونية، جاز ناتورال، خطوط موفيستار التليفونية، في مواجهة تحالفات المدريد مع أديداس وشركة MMT للتأمين، وبلدية مدريد نفسها. ميرابيتياس يحمل في صفحاته الأخيرة مجموعة أكبر من الأسئلة بخصوص دور البارسا السياسي في المستقبل، خاصة مع وعود لابورتا بعد رحيله في 2010 بأنه عائد للمشهد من
لاعبو البارسا مع علم الإقليم على فانلاتهم وبين أيديهم!
من جديد في 2014 وإزاحة بارتوميو القائم بأعمال الرئيس حتى عقد انتخابات جديدة، قطعة شطرنج جديدة تبعث مجددًا، ميرابيتياس لا يبدو متأكدًا من الإجابات، لكنه يعلم حقيقية واحدة في نهاية رحلته: ”أن البارسا نعم هو أكثر من مجرد ناد، لكنه أصغر كثيرًا من كاتالونيا”.
ــــــــــــــــــــــــــــ
*المقال اعتمد على كتاب “الوظيفة السياسية للبارسا“ لرامون ميرابيتياس، دار نشر marzo 2013.
** نشر في مجلة عالم الكتاب، العدد 84 يناير 2015، أول الأعداد التي تولى محمد شعير رئاسة تحريرها.