التهديد الذي نتعرض له اليوم لم يعد يأتينا من الخارج، بل من الداخل، بمعنى أنه متأصل في بنية نسيج مجتمعنا المعاصر!
في هذا الكتاب الصغير، والفاتن، والمحكم البناء، يلقي الفيلسوف الألماني ذو الأصول الكورية بيونج شول هان نظرة نقدية شاملة على المجتمع المعاصر، في محاولة للإجابة على سؤال مُلح: لماذا لا يشعر الكثير والكثير من البشر في المجتمع المعاصر، رغم كل ما يتسم به من تطور ورفاهية، بالسعادة والرضا عن حياتهم؟
هذا الكتاب الذي صدر في عام 2010، وفيه يتناول هان هذه التيمة بالتفصيل. ويستهله بطرح فكرة مجتمع يقوم على مفهوم المناعة، حيث تدور الحياة فيه حول ثنائيات الذات والآخر، والمألوف والغريب. وهكذا، يتصرف كل من
المجتمع والأفراد كما تتصرف أجسادنا حين ترصد مصدرًا محتملًا للعدوى، إذ تبادر بعزل مصدر التهديد والقضاء عليه. وهكذا، فكل ما لا يشكل جزءً من الكل، يُعد، تلقائيًا، جزءً من هذا التهديد.
ونلاحظ في هذا القسم من الكتاب أن المؤلف يستخدم الفعل الماضي، لأنه يعتقد أن هذا المفهوم ينتمي إلى القرن العشرين وأننا قد تجاوزناه بالفعل. ومن ثم، فإن الفكرة المركزية في هذا الكتاب هي أن القرن الواحد والعشرين جلب معه إشكالية مختلفة كل الاختلاف.
فالتهديد الذي نتعرض له اليوم لم يعد
يأتينا من الخارج، بل من الداخل، بمعنى أنه متأصل في بنية نسيج مجتمعنا المعاصر. فبينما كان التركيز في الماضي على “لا يمكنك” و”ينبغي أن”، فإننا نعيش اليوم في عصر “تستطيع”. واختفت مفاهيم “التحريم، والوصايا، والشرع”، وحلت محلها مفاهيم “المشروع، والمبادرة، والتحفيز”.
بيد أن المشكلة، أن هذا التغير الذي يبدو في ظاهره محملًا بوعود التغيير والانعتاق، لا يعدو في حقيقة الأمر أنه ينقل مركز التحكم والسيطرة من الخارج إلى الداخل.
وهذا يعني أننا حين نعجز عن الوفاء بواجب التطوير المستمر للذات