هذه النسخة الأخيرة مما كتبت عن أسامة الدناصوري بعد رحيله.. وربما لن تكون الأخيرة.. وتظل أسئلة الغياب ورحلة التعامل مع الألم ومراوضة الموت لا تنتهي!
أين تذهب رغباتنا بعد الموت؟
بعد ثماني عشرة سنة أو يزيد من غياب أسامة الدناصوري؛ لا زلت محتارًا.. وأنا أسأل عن رغبته التي أسماها “كلبي الهرم.. كلبي الحبيب” منها عنوان روايته الوحيدة؛ ومنها وصف العلاقة مع الرغبات. هكذا قفزت في رأسي من جديد صورة كلابنا الحبيبة، الهرمة، وأجسادنا في رحلة تعبها.. تلك الرحلة المثيرة الممتعة المأساوية. ماذا يحدث للكلاب الحبيبة بعد ابتلاع جثتنا للجسد؟ هل تموت الكلاب مع الجسد، أم تظل تحوم في الأفق.. وتشم رائحة الرغبات المبعثرة.. أو حتى تحفز الرغبات المهجورة في أجساد منهكة؟
هل تعيش الكلاب الحبيبة في الأرواح وتهرم مع الأجساد.. وفي أي زاوية تنزوي حين نموت؟ حين يموت الشعراء الذين وضعوا علاقتهم بالرغبات في موضع الخلود؟ سيبتسم قارئ عجول ويقول: ما أجمل الشعراء! إنهم طيبون.. رومانسيون.. وسيختفي بعد ذلك في حشود تتعالى يوميًّا على ضعفها، أو تتسول به من الآلهة الجبارة فرصة للبقاء.
ماذا يفعل الشعراء في مدينتنا الحديثة؟ ماذا يفعلون غير تذكير الحشود بأننا لسنا في رحلة البحث عن بطولة.. تلك الرحلة اللاهثة من أجل أشياء لا تدفن معنا ولا تبقى لنا بعدنا؟
أحببت الكلاب بعد موت أسامة بسنوات، ولا أعرف هل هناك علاقة بين هذا الحب على كبر، وبين التماهي بين الرغبة وكلابنا الحبيبة..
هل استيقظت رغبتي في التواصل مع هذه الكائنات التي كانت تخيفني صغيرًا، وترعبني كلما كبر جسدي وأصبح ثقيلاً على اللهث فرارًا من أمامها.. كيف اقتربت إلى هذه الدرجة.. كيف تمتعت بأحضان كلب وأنا في عمر أسامة حين غادرنا؟
الكلب كائن قديم.. مثل أجسادنا وهي تعوي يوميًّا في محاولة اقترانها اللاهث بحداثة لا حدود لها، عشاق الكلاب لهم تلك الأرواح الهرمة الحبيبة..