ماذا حذفت أو أجلت سلمى مبارك كتاتبه عن أستاذتها وصديقتها أمينة رشيد حين كتبت عنها للمرة الأولى وكتبته بعد رحليها في رسالة وداع تفيض بالعرفان والمحبة؟!
اتصلت بي أمينة منذ ثلاثة أعوام وقالت لي إنها رشحتني للكتابة عنها.. كانت قد تلقتْ مكالمة من معهد العالم العربي بباريس، عرفتُ منها أن المعهد بصدد إصدار كتاب عنها، في إطار مشروع “مائة كتاب وكتاب” الذي يتناول مائة شخصية عربية وفرنسية أثرت الحوار الفكري بين ضفتي المتوسط على مدار قرنين. ترددت في البداية؛ لقد كتب الكثيرون عن أمينة، وأقيمت الاحتفاليات العديدة لتكريمها داخل الجامعة وخارجها، في مصر وفرنسا.. ماذا عساي أن أضيف إلى كل ذلك؟
لم تكن فقط حيرة وشك في قدراتي، بل كان هناك خوف، خوف من كتابة
تستلزم الاقتراب الشديد من سطوعها، والغوص في منطقة نائية من نفسي ألتقيها فيها ولم تكن بي قدرة على استدعائها. صعوبة استعادة تاريخ طويل جمعتنا أحداثه الكبيرة وتفاصيله الصغيرة، مئات الذكريات التي شكلتني.. محاضراتها وأنا أدرس في قسم اللغة الفرنسية وآدابها بالسنة الثانية والسنة الرابعة، مدرج 38، وبودلير وقصائد “أزهار الشر”، مدرج 304 والسورياليون وأندريه جيد ورواية “مزيفو النقود”، طرقة الدور الرابع في المبنى الجديد وأنا أقف بجوار باب غرفة قسم فرنسي، أطلب منها الإشراف على رسالتي للماجيستير، مئات الصفحات المكتوبة
بخط اليد السيئ والمليئة بقصاصات ملصقة تحمل استشهادًا من هنا وملحوظة من هناك في مسودات لانهائية لفصول الرسالة.
كان عليها أن تفك شفرات تلك الصفحات، حتى صرحت لي بعد سنوات أنها لا تستطيع قراءة تلك الأوراق المتناثرة، وطلبت مني بعد طول صمت وصبر أن أقدم لها أوراقًا مكتوبة بشكل مقروء. وقوفي بجوارها في واحدة من التظاهرات الطلابية بالجامعة عام 1986 وطلبها أن أبتعد عنها لأنها مراقبة ولا تريد أن يلحق بي أي أذى. بيت المبعوثين بإضاءته البنية والدخان يسكن أركانه، كنبة البلكونة ذات السور