غرام بلا انتقام والأم تقود المعركة

مذكرات المطربة فاطمة سري 2

غرام بلا انتقام والأم تقود المعركة

  • أسبوعي
  • ملفات
  • كتابة

نستكمل مذكرات فاطمة سري، ماذا بعد أن انقلب الحال وتحول الغرام فجأة إلى عداء كأن محمد شعراوي تذكر أنه لا يليق به أن يقترن بها وينجب منها ابنة تحمل اسمه، فهل خشي تبعات ذلك على عائلته، وماذا فعلت فاطمة؟

كان ذلك مهد غرامنا نأوي إليه في غفلة من العيون والرقباء، نحاول جهدنا إخفاء هذا النعيم المجهول عن كل الناس محاذرة من معرفتهم رابطة الزوجية التي ضمتنا إلى بعضنا في ذاك المهد أكثر من أربعة شهور.
وهنا يجب أن أذكر حادثة كانت فكاهة ضحكت منها كثيرًا في حينها، ولا زلت أضحك كلما أذكرها، وسيضحك قراء مذكراتي حين يطلعون عليها. زارني محمد في منزلي الخاص وطلب إلَي أن نذهب معًا إلى مهد (الغرام) وكان اليوم ممطرًا تنهمر ماء السماء انهمارًا، فركبنا سيارته حتى بلغنا البيت، فنزلنا وصرف هو السيارة وسبقني متعجلاً

ليفتح الباب، وصعدت متمهلة في أثره.
فكم كانت دهشتي عندما بلغت إلى المسكن، سمعت لغطًا خلف الباب وأصواتًا عالية تكاد تكون ضجة، فخشيت أن يكون أحد من أهل زوجي كمن لنا في ذلك المسكن ليباغتنا مجتمعين فيه.
وكثيرًا ما يدفع الخوف إلى الجرأة فدفعت الباب ودخلت لأتحقق من الطارىء. فوجدت محمدًا زوجي في غضب، ورأيت كاتبه الذي يقضي حاجاتنا في ذلك المسكن في قميص النوم يكاد يكون عاريًا، فأدركت شيئًا من الحقيقة وزالت مخاوفي الأولى فضحكت!

بينما نحن في ذلك العناق الطويل مرت بنا سيارة بها شقيقة زوجي مع زوجها، فجمدت في مكاني خشية من أن يكونا توقفا لرؤيتنا

جاء بي زوجي إلى مسكنه الخاص لنقضي معا ساعة من ساعات هنائنا المتجدد، فوجد في الخلوة وعلى سريرنا الخاص الكاتب وفتاة جاء بها من الطريق! أزعجنا الخليلين بحضورنا وأزعجانا حقيقة بوجودهما في مهد غرامنا، فثار غضب محمد فخشيت أن يقسو على الكاتب قسوة تحمله على فضح سرنا، فتلطفت مع زوجي أهدئ غضبه حتى أكرهته على السكوت وعلى النزول معي إلى الطريق.
كان المطر مدرارًا فلم نجد أمام الباب سيارة أو عربة تقلنا بعيدًا عن هذا المهد الملوث، فانتظرنا طويلاً حتى مرت بنا عربة ركبناها. كانت الطريق خالية

وكان زوجي لا يزال تحت تأثير الغضب فعانقته في العربة لأنسيه بحنان الزوجة، خيانة الكاتب.
وبينما نحن في ذلك العناق الطويل مرت بنا سيارة بها شقيقة زوجي مع زوجها، فجمدت في مكاني خشية من أن يكونا توقفا لرؤيتنا مصادفة.
أدرك السائق أننا لا نقصد إلى مكان معين فترك العربة تدور بنا في شوارع المدينة، ولم ننتبه لهذا الشوط الطويل إلا بعد يقظة جاءت عفوًا فأمرت السائق بالذهاب إلى منزلي. دخلنا معا البيت فقال:
لماذا لا أقيم معك هنا، لماذا لا اعاشرك هنا معاشرة الزوج زوجه؟ ألست زوجي الشرعية؟ أليست لي كل حقوق الزوج؟

رأيت معيشتنا في بيتي أسلم عاقبة من الالتجاء إلى ذلك المسكن منفردين، فلم أعارض في طلبه. فتذكر حادثة الكاتب فتكلم في التليفون مع موظف كبير في دائرته فحضر في الحال فقص عليه حادثة الكاتب وأمر برفته، فألحفت في الرجاء والشفاعة لكيلا يفضح الكاتب سر علاقتنا الخفية.
محاولة الاجهاض
أخلينا مسكن شارع دوبريه وأقمنا في منزلي، يزورني فيه خلسة في الأوقات التي يتمكن من قضائها بعيدًا عن بيت أهله، فشعرت بالحمل، أدركت أن الحب تحسم في أحشائي جنينا ففزعت.
أيقنت بأن هذا الجنين سيقوم حائلاً بيني وبين زوجي يوما ما،

رأيت معيشتنا في بيتي أسلم عاقبة من الالتجاء إلى ذلك المسكن منفردين، فلم أعارض في طلبه

فعقدت العزم على الإجهاض ليدوم الحب ولتبقى المعاشرة الزوجية بعيدة عن كل المنغصات. وقد صدق نظري وتأيد ظني، فوجودي زوجة لمحمد شعراوي لا يشعره بأي خوف من ناحيتي، فيمكنه التخلص مني متى شاء بالطلاق وبكل النفقات التي يستدعيها الحال إذا طمعت فيه، ولكن وجود ولد شرعي مني يربطه إلَي برباطة متينة لا تنفصم عراها ولا تزول إلا بموت ذلك المولود. قد يرضى محمد ويبتهج بوجود ثمرة الحب في أول الأمر، ولكن من المحقق أنه يكون أعظم ابتهاجًا وأوضح سرورًا إذا لم يوجد ذلك الولد. هذا الذي قدرته عندما تحققت من موجود الحمل،

 هذا النص هو مثال لنص يمكن أن يستبدل في نفس المساحة،
 هذا النص هو مثال لنص يمكن أن يستبدل في نفس المساحة،

استمرت القضية سبع سنوات، وقتها كانت مجلة المسرح التي نشرت المذكرات قد توقفت عن الصدور سنة 1927 - أرشيف مدينة الرقمي

فأثرت المحافظة على بقاء زوجي معي على استبقاء ذلك الجنين، فعقدت العزم على الاجهاض.
استشرت الدكتور إبراهيم بك الشوربجي وطلبت إليه المساعدة لأتمكن من الاجهاض بدون خطر، فكان طبيبًا عاقلاً رصينا، وكان من ذوي الذمة والأمانة في عمله.
أكد لي أنني حامل، وأن ذمته وواجبه يقضيان عليه بالمحافظة على حياة الجنين لا بقتله، وذكرني بأنني أم، وبأن واجب الأم تضحية كل شيء في سبيل المحافظة على ما في أحشائها. كان الدكتور يجهل ما في نفسي فعمد إلى النصيحة، لم يعلم أنني أضحي ولدي

لأستبقي زوجي فكلمني بلغة طبيب ولهجة ناصح أمين، فلم أصغ وألحفت في الرجاء فقال: أنت ضعيفة جدًا فإذا أجهضت تقتلين نفسك جتما.
فكانت هذه الوسيلة الوحيدة لردي عن محاولة الإجهاض؛ خوفًا على حياتي. ولم أكتف بهذا المسعى، فكررته عند الدكتور عبد العزيز إسماعيل، لا بالصراحة التي لجأت إليها في مخاطبتي الدكتور الشوربجي إنما بحيلة من حيل المرأة.
ذكرت له أنني محتاجة لعملية (كحت) ففحص قلبي ثم أشار بعدم التسرع بعمل العملية؛ لأن قلبي ضعيف ربما لا يحتمل البنج، فانصرفت يائسة وهو لا يدري أنني كنت أخدعه

ليقوم بعملية (الكحت) فيحدث الإجهاض. لم يبق أمامي غير الوسائل التي تلجأ إليها النساء من علم (الركة) فعلم محمد بالأمر فمنعني من الاجهاض وهددني بالعقاب إذا فعلت. وأظهر ابتهاجًا بالجنين واستعدادًا للمحافظة عليه كوالد يعرف واجبات الأبوة حذرته من بقاء الجنين فاستخف بي، وصرحت له بمخاوفي فضحك مني، وأكد لي أنه مبتهج بظهور الحمل، و بأنه ذو مروءة ورجولة تقضيان عليه بالمحافظة على ولدنا.
*
كان في عزم محمد السفر لأوربا ثم لأمريكا فقال عن هذا السفر اللازم

أيقنت بأن هذا الجنين سيقوم حائلاً بيني وبين زوجي يوما ما، فعقدت العزم على الإجهاض

إنه طويل فلا يستطيع الابتعاد عني كل ذلك الزمن، فطلب إلي أن أسافر معه إلى أوربا ليتمكن من مقابلتي هناك في أوقات متعددة فلا تكون هنالك غيبة إلا بمقدار سفره إلى أمريكا وعودته منها.
فخشيت السفر وأنا حامل، وشق علَي الابتعاد عن ولدي ولو شهرًا واحدًا، وخاصة لأنني لا أقيم كل زمن الاغتراب مع زوجي بل انتظره حيث يريد، فيزورني حين يتمكن.
رفضت السفر فألح علَي بصورة حملتني على الإشفاق عليه وعلى تحمل مشاق هذه الرحلة وأنا في حمل متعب، فقبلت، ووعدته باللحاق به في أوربا.

فلما قرب موعد سفره، ورأى مني الطاعة العمياء، رأي من مصلحة الجنين الذي لا يزال في أحشائي أن يكتب إقرارًا به وبشرعية ميلاده، فاستحضر صورة الإقرار الذي سننشر صورته في العدد الآتي (بالزنكوغراف) من الشيخ محمد عطية المحامي الشرعي وكتبه بخطه أمامي ثم أمضاه وسلمه لي.
وعدت القراء بنشر صورة الإقرار الكتابي الذي كتبه لي محمد وها أنا أنشر صورته بالزنكوغراف؛ إيفاء للوعد. شكرت لمحمد هذه المنة، واعتقدت أنها دليل على طيبة قلبه وعلى رغبته الصادقة في حفظ مستقبل ولده الذي لا يزال في عالم الغيب. وثبت لي من هذه الحادثة أن الشاب صادق في حبه،

 هذا النص هو مثال لنص يمكن أن يستبدل في نفس المساحة،

دون دلائل واضحة كانت فاطمة واعية بما قد يفعله محمد شعراوي فاحتفظت بالإقرار الذي يعترف فيه بزواجه منها وتبعات هذا الزواج - الصورة من مجلة "المسرح" 24يناير1927 - أرشيف مدينة الرقمي

أراد أن يدل على وفائه بالإقرار الذي يثبت كتابة قيام الزوجية الشرعية الصحيحة بناء على العقد الأول الذي لم يسجل.
لقد كنت في أحيان كثيرة أتألم من بعض تصرفات محمد، ولكنني أذكر عواطفه وحنانه ثم إشفاقه على أولادي فأنسى الأسباب التي آلمتني ولا أعود أذكر غير حسناته وطيباته. أضرب مثلاً من تصرفاته الجارحة: دخوله مسكني مفاجأة، يدق الجرس فيفتح له الباب، فيدخل ويحييني، ويفتش البيت كله بدقة رجل البوليس المجرب. يجثو على الأرض ويبحث تحت السرير، ثم يفتح خزانة الثياب، ثم يخرج إلى البلكون، وهكذا يفعل في كل غرف البيت.

وكنت أتألم من شكه فيَ ومن سوء عملية التفتيش، فإذا انتهى منها يعود إلَي فيسترضيني بالاعتذار،  ويعترف بأن الغيرة وحدها هي التي تحمله على الشك وعلى عمل كل ما في وسعه للتحقق من أنني وفية له.
ومن طيباته، أنه قصد إلى مسكني في ليلة، فعلم من الخدم أنني في السينما، فدخل غرفة النوم وبدل ثيابه ثم استلقى على السرير يذاكر درسه. فكلمتني خادمتي بالتليفون وأخبرتني بوجود زوجي في المنزل، فتركت السينما وعدت إلى البيت.
كانت الرواية من النوع الذي لا يستطيع الإنسان أن يترك شطرًا من الفصل إذا رأى أي جزء من الرواية.

فتألمت لعودتي إلى البيت وصرحت لمحمد بما شعرتُ به من الأسف والانزعاج لتركي الرواية قبل مشاهدة كل الفصول. فظهر على الشاب التألم والأسف؛ لأنه كان سببًا في ازعاجي وحرماني من الابتهاج الذي كنت أشعر به أثناء وجودي في السينما.
اعتذر ولاطفني وقتا طويلاً جدًا لينسيني الندم على ما فاتني من الرواية، فكان هذا التصرف وأمثاله مما ينسيني تصرفاته الأخرى الجارحة المؤلمة.
السفر
تحدد يوم السفر فقضى شطرًا عظيمًا من ليلته عندي، ثم سافرت معه في النهار الثاني في القطار نفسه لتوديعه.

كنت أتألم من شكه فيَ ومن سوء عملية التفتيش، فإذا انتهى منها يعود إلَي فيسترضيني بالاعتذار

وليس في مقدوري أن أنسى حرارة الشوق التي كانت تأكل صدر زوجي في ذلك الوقت، ولا الدموع التي كانت تبلل منديلينا بتأثير التألم من الفراق الوقتي.
لا يمكن أبدًا أن يكون محمد ممثلا دور العاشق صادق الحب في ذلك النهار؛ لأن الممثل يستطيع أن يؤدي ما شاء من التنهدات والحركات والألفاظ والمعاني، ولكن لا يمكن لأقدر ممثل أو ممثلة بما في فؤاده من سعير الحب ولوعة الفراق. افترقنا في محطة سيدي جابر على أن يرى أحدنا الآخر للمرة الأخيرة وزوجي على ظهر الباخرة. فانتقلت إلى منزل صديقة لي داخل جمرك الإسكندرية،

وبقيت في النافذة ومحمد على ظهر الباخرة حتى أقلعت.
كان يراني وكنت أراه، وكان يودعني وكنت أودعه،  ويعلم الله أن قلبي أحس أن ذلك السفر سيكون سببًا في هدم نهائنا وإزالة صرح حياتنا الزوجية؛ وقد حققت الأيام مخاوفي وصدق ظني فيا لعنة الله على يوم 10 يوليو!
*
عدت إلى القاهرة في ألم حاد من تأثير هذا الفراق، ومن تأثير إشفاقي على محمد بسبب ما بدا عليه من التألم للابتعاد عني. فقضيت في العاصمة خمسة أيام أهيئ نفسي للسفر لأوربا، ثم سافرت بتاريخ 16 يوليو 1925

على ظهر الباخرة سيبريا مع خادم محمد الخاص المدعو: سليمان داود.
هذه أول مرة ركبت البحر لمغادرة بلادي والرحيل إلى غيرها، وبصفتي ممثلة ومغنية أذكر أنني حفظت عبارات كثيرة عن محبة الأوطان، وغنيتها كثيرًا فوق خشبة المسرح أو تخت الغناء فكانت تلك الكلمات تثير حماس السامعين وتبعثهم على التصفيق.
لم أكن أدرك من تلك العبارات سوى أنها صالحة للغناء ولم أكن أشعر بالباعث الحقيقي الذي يثير حماس القوم ويحرك أيديهم للتصفيق المدوي. فهؤلاء الذين نسميهم (الشعب)

رفضت السفر فألح علَي بصورة حملتني على الإشفاق عليه وعلى تحمل مشاق هذه الرحلة

بلغة الممثلين والمغنيات عقليتهم غريبة ونفسيتهم أوضح غرابة؛ يصفقون مثلا لهذه العبارة:
شفتي بتاكلني.. خليها تسلم على خدك. وهم يعينهم الذين يصفقون لكل عبارة فيها إشارة إلى الحرية أو إلى الوطن.
فكيف تريدون أن تميز الغافلة بين شفة وخد ووطن إلا بمقدار تحمس السامعين للتصفيق؟!
ركبت البحر وكنت على يقين من أن غيبتي عن بلادي لا تتجاوز شهرين أو ثلاثة أشهر وأعود بعدها لمصر، ومع ذلك فإنني كدت ينخلع قلبي من مكانه حنينا إلى الوطن والباخرة تتحرك لتبعد عن مرساها. في هذه اللحظة وحدها أحسست تعلق الإنسان ببلده،

أدركت معزّة كل مخلوق لوطنه، فهمت معنى العبارات التي كنت أذكر فيها كلمات الوطن فيتحمس بها (الشعب): في تلك اللحظة أدركت معنى حب الوطن والحنين إليه. كنتُ أتمنى أن تفسد آلات الباخرة فتعود لمرساها، فأرجع لبلادي أقضى كل لحظات حياتي على أرضها وتحت سمائها.
كان كل شيء من مصر وعلى أرض مصر عزيزًا علَي: الطرقات والشوارع التي أعرفها، والمتنزهات والناس أجمعين. كان لكل شيء في نظري حتى الذين لم أر وجوههم من الخلق، المرأة الغنية بقبعتها وثيابها الفخمة، والفقيرة بملاءتها ونقابها الأسود (وشبشبها اللماع). كان الحنين لبلدي عظيمًا جدًا،

وكانت الانفعالات في نفسي أنواعًا، وذاكرتي ترسم بسرعة كل المشاهد المألوفة وصور الأشخاص المعروفين، وتذكارات الحوادث الماضية، فتضاعف شوقي للوطن وانبعاث نفسي إليه. فلما أبعدت الباخرة واختفى الشاطىء عن عيني أو كاد ألقيت ناحيته النظرة الأخيرة مشفوعة بدمعة الوداع، وهي ضعيفة فاترة، خائرة، أرسلها الحنين والأسف ورقرقها بين جفني الضعف والاسترخاء والوهن.
في سويسرا
وصلت إلى جنوا، وركبت من هناك السكة الحديد للوزان بإرشاد سليمان داود (خادم محمد)؛ ثم نزلنا بفندق ميرابو (معًا). ترك لي محمد قبل سفره

كان يودعني وكنت أودعه، ويعلم الله أن قلبي أحس أن ذلك السفر سيكون سببًا في هدم نهائنا

صورتين صغيرتين له، طلب إلي أن أبقيهما معي في حقيبة اليد أراهما كلما ذكرته أو كلما فتحت الحقيبة لأي غرض، كان يريد أن يكون على الدوام في ذاكرتي وتحت نظري، وليس هذا من بواعث الحب ولكنه من الأدلة على رغبة الرجل (دائما) في الاستثئار بنظر المرأة وذهنها وفؤادها، يريد أن يكون ماثلاً أمام عينيها حتى في غيبته.
رأيت من الوفاء أن أفعل ما أمرني به حبيبي، فكنت أراهما كلما ذكرته، وكنت أجد في عملي شيئا من اللذة الصادقة لذة المرأة بإطاعة من أحبها وأخلصت له. هذه هنات لا قيمة لها في الواقع، فإخراج صورة شمسية

من حقيبة لرؤيتها ثم إعادتها إلى مخبئها عمل لا يستدعي مجهودًا ولا تضحية، فليست له أية قيمة مادية، ولكن هذه الهنة التي تقوم بها المرأة خلسة في غيبة الرجل من أصدق الأدلة على الوفاء.
تمثل سيدة مثلي في غرفتها ليلاً استلقت على فراشها من سآمة الوحدة في الاغتراب، تذكرت الشاب الذي يبادلها الحب، وتذكرت كيف حملها على الانتقال من مصر لسويسرا ليتمكن من رؤيتها مرة أو مرتين أثناء سياحته الطويلة، فانحبست في الفندق مع خادم، ليس بجانبها صديق ولا صديقة ولا أي مشهد من المشاهد المألوفة التي تدفع عنها ألم السآمة والانفراد،

فندق ميرابو في العشرينيات، حيث ترك محمد شعراوي فاطمة سري مع صورة صغيرة له طالبًا أن تنظر إليها كل حين.

فندق ميرابو في العشرينيات، حيث ترك محمد شعراوي فاطمة سري مع صورة صغيرة له طالبًا أن تنظر إليها كل حين.

تذكر ذلك الحبيب المشرد فتنسى كل شيء حتى السآمة وحتى آمالها في المستقبل المجهول، فتنهض من فراشها وتبحث عن حقيبتها فتخرج منها الصورة لتراها، ثم تقبلها، ثم تردها إلى مكانها، ثم تبقيها بين يديها في الفراش حتى تستغرق في النوم.
تمثل هذه الهنة، وقل لي بعد ذلك أهي هنة أم باعث من بواعث القوة الخفية التي تملك فؤاد المرأة وتهيمن على عقلها فتوجهها كيف شاءت فتصدر منها تصرفات أو أعمال يسميها المادي هنات؟
هل دلائل الحب الصادق أمثال هذه الهنات في رغبة الرجل، أم في القبلة وعبارات الحب والإخلاص والإيمان

والعهود بين يدي من تحبه؟
أيها الناس إذا أردتم أن تكتبوا عن الحب فلا تزنوا الوقائع والتصرفات بميزان الفحم الحجري، ولا تقدروه بمكيال الحبوب، انظروا إليه بعواطفكم، وزنوه بشعوركم، إذ ذاك تدركون أن الذي تسمونه هنات، من عبث الهوى الطاغي العابث بالعقل والإرادة والنفس. اعذروا الشاب الغر الذي يحتفظ بمنديل حبيبته ليضعه ليلاً على فمه، يستنشق ريحها منه. لا تعذلوا الذي يستبقي زمنًا طويلاً زهرة حماتها حبيبته يذكرها بها ويعيد لذاكرته موضعها من مصدرها أو من فمها وأنفها.
لا تتهكموا على الذي يخبىء

في محفظة أوراقه خصلة صغيرة من شعر التي أسلمها فؤاده ليذكرها كلما رأى الخصلة. فليست للمنديل قيمة مادية، ولا للزهرة قوة سحرية، ولا لخصلة الشعر غير صورتها الحقيقية، إنما القيمة وقوة التأثير صادرتان من نفس العاشق المحتفظ بتلك الأشياء التافهة، فالمؤثر منبعث من النفس وعائد إليها عن طريق الفؤاد.
فإذا وضع المنديل على وجهه ليلاً ذكر الحبيبة وكل ظروف الحب الممتلىء به فؤاده، فتكون التذكارات والتخيلات قوة جديدة مؤثرة في عواطفه يجد منها لذة الاشتهاء وألم الحنين والتوقان.
كذلك قل عن الزهرة، وقل عن خصلة الشعر، وقل عن كل ما يسميه

هؤلاء الذين نسميهم (الشعب) بلغة الممثلين والمغنيات عقليتهم غريبة ونفسيتهم أوضح غرابة

الناس هنات، فإنها تصرفات حمقاء في الواقع، غير أنها حماقة تدل على وجود تلك القوة الخفية المجهولة التي ندل عليها بكلمة: حب.
*
أوصاني محمد بالنزول في ذلك الفندق ففعلت، وأوصاني بالكتابة إليه كل يوم فأطعت. كان عنوانه الذي عينه لي باسمه بفندق أمبريال بكارلسباد، فكتبت إليه بمجرد وصولي، ولبثت أكتب إليه عشرة أيام بدون أن تصل إلى إجابة منه، فارتبكت وفزعت خوفًا عليه.
فأرسلت رسالة برقية لمدير فندق أمبريال بكارلسباد أسأله عن زوجي، فوصل إلَي الرد يذكر به أن بدل موعد حضوره وسيحضر بعد أسبوع.

عادت إلَي الطمأنينة، وأدركت أنه لطارئ مجهول مني غير نظام رحلته.
وكنت في سآمة مؤلمة من بقائي محبوسة في لوزان في ذلك الفندق، فانتقلت لمونترو، وداومت على الكتابة إليه كل يوم بعنوانه في كارلسباد. أقمت أسبوعًا في مقري الجديد، فلما لم يصل إلي أي نبأ من محمد انتقلت لباريز في أول أغسطس سنة 1924 فوصلت إليها في النهار الثاني..
*
عدل محمد عن السفر لكارلسباد كما قرر من قبل، ولما كان على يقين من أنني كتبت إليه هنك لهذا رأى أن يرسل إلى أوتيل أمبريال هناك خادم والدته ليحمل إليه الرسائل:

استلم كتبي وعلم منها عنواني بمونترو، فكتب إلى هناك كتبًا وحولتها إدارة الفندق بعنواني الجديد بباريز فوصل إلَي أول كتاب منه بباريز، وعرفت أن عنوانه بسمارنج في ضواحي فيينا، وعلمت من كتابه أنه اسف جد الأسف لانتقالي لباريز؛ لأنه كان قوي الرغبة في الحضور لسويسرا لمقابلتي، واستمر يكاتبني، ثم وصلت إلي رسالة برقية ينبئني بحضوره لباريز ثم حضر بنفسه يوم 18 أغسطس سنة 1925.
لم يبد من زوجي إلى هذه اللحظة شيء يدل دلالة واضحة على التحول عن حبه الأول، ولا يمكن أن أعلل تغيير برنامج سفره تعليلاً يحملني على سوء الظن

أيها الناس إذا أردتم أن تكتبوا عن الحب فلا تزنوا الوقائع والتصرفات بميزان الفحم الحجري، ولا تقدروه بمكيال الحبوب

بالشاب الذي بادلته الحب الشرعي الصادق، فابتهجت جد الابتهاج بوصوله لباريز.
ظهر زوجي في حرارة حبه الأول قابلني مقابلة العاشق حبيبته بعد طول البعاد، ابتسامته حلوة مغرية، وعناقه طويل حار، وشوقه متجدد ينبه العاطفة. وبينما نحن في الخلوة الأولى على ظهر القارة الأوروبية، وبينما أنا بين ذراعيه مستسلمه للهوى المشروع، وبينما قبلاته تنسيني عناء الاغتراب وما قاسيته من آلام السآمة في الأيام الماضية، وبينما عناقه ينسيني كل ما على ظهر الأرض حتى نفسي، وبينما أنا في عالم الهناء الذي يجرد المرأة من قوة إرادتها وعقلها

وصوابها إذ بزوجي الوفي المخلص الأمين الشريف، يوجه إليّ أسئلة تدل على شكه في إخلاصي.
كيف تغير محمد؟!
ماذا جرى لذلك العاشق الولهان؟
هل بدأ الحب يفتر في قلبه؟
وما هي اليد الخفية التي حركت عاطفة الشك في ذلك القلب الهادىء الوديع؟
*
توالت علَي كل هذه الأفكار في لحظة وكان محمد ينتظر مني الجواب، فقلت:
هل تريد مني أن أرد لك الإقرار لتكون على يقين من صدق حبي لك؟
الجواب: نعم.
وهل تكف عن الشك في إخلاصي لك إذا رددت إليك هذه الورقة؟ الجواب: نعم.

 هذا النص هو مثال لنص يمكن أن يستبدل في نفس المساحة،

ربما كانت فاطمة تدري أنها في حالة كسبت القضية سيحرمها آل شعراوي من ابنتها، لكنها أكملت معركتها حتى النهاية. الصورة من مجلة "المسرح"17يناير1927-أرشيف مدينة الرقمي

إذن انتظر عودتنا لمصر فاسلمك الدليل الذي تطلبه؛ لأنني لسوء حظي تركت الإقرار في القاهرة.
وأكدت لزوجي أنني سأرد له الاقرار عند رجوعنا للقاهرة فابتهج، وبدأ عليه الاطمئنان، وبقي معي أسبوعًا في باريز ثم سافر إلى أمريكا لزيارة أخته زوجة سفير مصر في الولايات المتحدة.
الوضع
أشار على زوجي قبل سفره لأمريكا بالانتقال لفيينا للوضع بها ولأنه لا يريد أن يسجل اسم المولود في القنصلية المصرية بباريز ليكتم الخبر عن فخري باشا سفير مصر بباريز. وطلب إلَي أن أبقي المولود بأروبا عند عودتي لمصر،

فيبقى أمره مجهولا من الناس، فلم أشأ التظاهر أمامه بالرفض.
انتقلت لعاصمة النمسا وتمت عملية الوضع بواسطة الدكتور أمرايج في سناتوريوم (ليف) وأثبت اسم الطفلة (ليلى محمد شعراوي) بالقنصلية المصرية بفيينا بتاريخ 7 سبتمبر سنة 1925.
ولستُ أدري كيف أشرح للرأي العام أنواع الانفعالات النفسية التي توالت عليَ في أيام النفاس. فقد كنت أشك في حُسن نية زوجي بعد إلحاحه بطلب الاقرار الذي يثبت الزوجية الشرعية ونسبة الطفلة لأبيها، وهذا يستدعي الاحتياط في معاملته خشية الغدر الذي بدرت بوادره.

كنتُ من ناحية ثانية أريد استبقاء زوجي بكل التضحيات الممكنة، كما كان ذلك عزمي عند شعوري بالحمل. وهذا يستدعي إطاعته، أي اعطاؤه الاقرار ثم ترك المولود في أوربا بعيدة عن حنوي وعن عنايتي.
ولكنني كأم يجب عليّ عمل كل ما يجب للمحافظة على ابنتها وعلى مستقبلها وعلى اسمها وصحة انتسابها لابيها، فكان أمامي أن أختار أحد أمرين:
الأول- استبقاء محمد حينًا قصيرًا بتضحيتي ابنتي ومستقبلها وصحة نسبها.
والثاني- مخالفة زوجي للمحافظة على حقوق ابنتي وعلى حياتها.

لم يبد من زوجي إلى هذه اللحظة شيء يدل دلالة واضحة على التحول عن حبه الأول

والأول عبارة عن تضحية كل واجبات الأم في سبيل شهوة المرأة.
والثاني عبارة عن تضحية شهوة المرأة في سبيل القيام بكل واجبات الأم، فلم أتردد في الاختيار، واخترت السبيل الثاني مع الاحتياط. كذبت على زوجي حين قلت له إن الاقرار بمصر؛ لأنه كان معي وفي حقيبتي فلما عقدت العزم على عدم ترك ابنتي وعلى المحافظة على كل حقوقها خفية، بدون مصادمة ذلك الزوج المتقلب، ولما كان من الضروري أن أجد حلا يرضي الزوج ويحفظ لي الإقرار، فوجدت هذا الحل. أخذت صورة بالزنكوغراف لذلك الإقرار، وأخذت ابنتي وعدت لمصر،

واحتطت كل الاحتياط في الباخرة لمنع العيون من رؤية الطفلة معي فنجحت.
وعاد محمد لمصر بتاريخ 7 أكتوبر سنة 1925 وجاء لزيارتي في نهار 9 أكتوبر فأظهرت الابتهاج لمقابلته، فسألني عن المولود فأخبرته بأنها طفلة سميتها (ليلى محمد شعراوي) وأريتها له لأنه دخل مفاجأة والطفلة معي.
فأظهر الأسف وقال: يا ليته كان صبيًّا!
وسألني عن الإقرار....
رأيت من حركات زوجي وتصرفاته ومن اهتمامه بإخفاء المولود ثم بالحصول على الإقرار أنه سيء النية يضمر غدرًا. فوجدت من الحكمة أن أواجه إلى الحد الأقصى من الشوط، فقلت له:

وهل يهمك جدًا الحصول على هذه الورقة؟
الجواب: نعم. لأجرب إخلاصك لي.
وهل تكتفي بهذا الدليل إثباتا للاخلاص لا تعود إلى الشك فيه؟
الجواب: نعم.
كنا في غرفة المائدة وكنا جالسين على مقعد كبير (كنبة) فأخرجت الورقة من تحت حشية المقعدة وسلمتها له.
فظهرت الدهشة على وجه الزوج المخلص؛ لأنه لم يكن يتوقع أن أفرط في الاقرار وأسلمه له بهذه السهولة.
فحص الورقة فحصا دقيقا فوجدها بخطه وبلون الحبر الذي كتبها به، فأفحمه مني هذا الدليل على (الإخلاص) وعلى التضحية في سبيل

كنتُ مسترحمة، كنتُ متوسلة، كنتُ مبقية على من ثبت غدره في هذه الحادثة، وكان خشنا إلى حد التوحش

مرضاته، فلم يتمالك نفسه من التأثر وقال:
- أنت أشرف سيدة في مصر.
ثم جثا عند قدمي وقبلني.
طلبت إليه أن يمزق الورقة، فرفض وقال سأحفظها في مكان أمين لترثني ابنتي إذا عاشت بعدي، ثم شكرني شكرًا حارًا، وتودع مني وخرج، مع وعده بالعودة في المساء، وترك عندي بعض الزائرين.
الانفصال
لم تكن الورقة التي سلمتها لمحمد الإقرار الذي كتبه، إنما كانت صورة منه بالزنكوغراف طُبعت بعناية على ورق يشبه الورقة الأولى، وبحبر يضارع لونه لون الحبر الأول، كانت صورة صحيحة تشبه تمام الشبه الإقرار نفسه.

لم يكن زوجي (الأمين) يتوقع هذه الحيلة مني، وكانت رغبته القوية في الحصول على الإقرار ثم ابتهاجه الجنوني بالحصول عليه من الأسباب التي أعمته عن التحقق من أن الورقة التي في يده مطبوعة..
خرج مبتهجًا متوهمًا أنه فاز بأمنيته وغلب المرأة التي حصل عليها بحبه، أصبح في مقدوره إنكار الزوجية والأبوة، ابتهج ونقل الخبر للأذناب الذين يعيشون من فتات مائدته فأظهروا الابتهاج، وقضوا الليل مشردين حيث يتشرد الشاب الطائش.
مضى الليل كله ولم يعد الزوج الشريف فسألت عنه بالتليفون صباحًا،

فأنبأني خادمه بأنه لم يعد للمنزل إلا في الساعة الرابعة صباحًا. وأنه يغط في النوم. فكررت السؤال عنه مرات بعد ذلك فلم أتمكن من محادثته إلا ظهرًا.
قلت (لدادته) نادية قولي له إن فاطمة ستسافر للإسكندرية، ففعلت، فجاء وقال:
م- عاوزة إيه..!
ف- عاوزاك يا حبيبي.. صح النوم قبل كل حاجة..!
كنت وديعة جدًا في محادثة ذلك الشاب زوجي الشريف المخلص الوفي الأمين.
كنتُ مسترحمة، كنتُ متوسلة، كنتُ مبقية على من ثبت غدره في هذه الحادثة.

لستُ أنكر على محمد احترامه لوالدته وحبه إياها محبة صادقة، وقد أحسن صنعا باستماعه نصيحتها وإطاعته أمرها

وكان خشنا إلى حد التوحش، وكانت ألفاظه سبًا بألفاظ لست أدري كيف أمكن أن يحفظها رجل واحد، وكيف أمكن أن يعرفها شاب يقال إنه من عائلة كريمة، تربي تربية عالية وتهذب تهذيبًا صحيحًا...!
هذه الألفاظ لا تزال محفورة على لوحة ذهني ولكنني أوفر على الرأي العام الاطلاع عليها، لأوفر على الناس الاطلاع على أقذر الألفاظ وأشنع عبارات السب.
بكيت... تحقق ظني، ظهرت نتيجة التجربة، وضح الحق، انكشف الغطاء عن سر محمد شعراوي الفتى النبيل لم يعد هو العاشق الوفي، ولا الزوج المخلص، ولا الوالد البار بولده،

متى قررت الأم قيادة المعركة عدم الاعتراف بالطفلة؟،الصورة هدى شعراوي وابنها محمد في صورة نشرتها مجلة"الإثنين والدنيا" 24 إبريل 1944-أرشيف مدينة الرقمي

متى قررت الأم قيادة المعركة عدم الاعتراف بالطفلة؟،الصورة هدى شعراوي وابنها محمد في صورة نشرتها مجلة"الإثنين والدنيا" 24 إبريل 1944-أرشيف مدينة الرقمي

ولا الشريف الذي يعرف واجبه نحو ابنته، إنما ظهرت حقيقة محمد.. ظهر أنه الشاب الذي له كل صفات الشباب الأرعن القاسي المشتط. ظهر أنه طلبني كما يطلب الصائد الصيد بالبارودة أو بالشباك، أراد الحصول عليّ بأي ثمن يوم كان تحت تأثير انبعاثه الحيواني؛ فلما قضى وطره تحول.
لم يتحول في هذه الحادثة بمحض إرادته، إنما بتأثير غضب والدته عليه، وطلبها منه الانفصال عني بأي ثمن. ولستُ أنكر على محمد احترامه لوالدته وحبه إياها محبة صادقة، وقد أحسن صنعا باستماعه نصيحتها وإطاعته أمرها، فمن واجب الابن إطاعة الأم. ولكن يجب

في الوقت نفسه أن يكون رجلا شريفا صريحا مع المرأة التي اختارها زوجة له، وأكرهها على ترك عملها وشهرتها الفنية ومورد رزقها الواسع، كان يجب أن يقطع العلاقة بوسيلة صريحة حكيمة.
(يتبع إلى الجزء الثالث)

اقرأ أيضاً

رسالة من المغنية إلى زعيمة النسوية

رسالة من المغنية إلى زعيمة النسوية

المذكرات الكاملة للمطربة فاطمة سري

المذكرات الكاملة للمطربة فاطمة سري

جمال عبد الناصر سوبر ستار

جمال عبد الناصر سوبر ستار

من القاهرة إلى غزة بدون طابع بوستة

من القاهرة إلى غزة بدون طابع بوستة

محمود عزمي: رجل العالم في مصر

محمود عزمي: رجل العالم في مصر

معارك النقيبة أم كلثوم

معارك النقيبة أم كلثوم