المذكرات الكاملة للمطربة فاطمة سري

لم تكن مجرد قصة حب انتهت في المحاكم

المذكرات الكاملة للمطربة فاطمة سري

  • أسبوعي
  • ملفات
  • كتابة

لم تكن مجرد حكاية حب انتهت في ساحات المحاكم. لكن المطربة الشهيرة فاطمة سري في مذكراتها قدمت صدمة عابرة للزمن وهذا سر حماستنا لنشرها كاملة لنعرف أن تاريخ تحرر المرأة لا يشبه حكايات التاريخ المدرسية..

الزمن: عشرينيات القرن العشرين، كانت مصر تعيش لحظة تحول فريدة؛ خرجت البلاد لتوها من الحماية البريطانية عام 1922 تموج بتيارات متناقضة: نهضة فكرية وثقافية في مقابل سلطة اجتماعية محافظة، وتحرر نسائي في الخطاب يقابله قهر صامت. كانت القاهرة آنذاك مركزًا لحراك اجتماعي غير مسبوق؛ تصاعدت أصوات النساء المطالبات بالتعليم والعمل وخلع الحجاب، بينما ظلت البنية العائلية والعلاقات بين الجنسين خاضعة لسلطة العرف والطبقة والدين. في هذا المناخ المزدوج، تفجرت قضية فاطمة سري، المغنية الشابة التي خرجت من عالم الطرب لتجد نفسها في مواجهة

واحدة من أعتى البنى الاجتماعية في مصر الحديثة، بنية النسب والسمعة والطبقة.
لم تكن قصتها مجرد حكاية عاطفية انتهت في ساحات المحاكم، بل كانت اختبارًا عمليًّا لحدود خطاب تحرر بشرت به النخبة النسائية بقيادة هدى شعراوي التي نادت بحرية المرأة من قيود الرجل، فإذا بابنها نفسه يدفع امرأة إلى معركة قاسية لإثبات نسب طفلتها منه.
حين رفعت فاطمة سري دعواها في عام 1926، كانت مصر قد بدأت تعرف معنى الصحافة الجماهيرية والرأي العام. ولم تناقش القضية في صمت، بل تصدرت الصحف وفتحت نقاشًا

سيكون عملي هذا جرأة في نظر البعض وغرابة في نظر البعض الآخر

اجتماعيًّا حول الأخلاق والعدالة وحقوق المرأة، ففي مذكراتها التي نشرتها مجلة المسرح على حلقات مسلسلة، رغبة منها في الاحتكام للرأي العام قبل الاحتكام للقضاء، تنكشف قصة إحدى أشهر قضايا النسب في مصر الحديثة، وهي قضية وضعت اسم هدى شعراوي ونساء حركتها في مواجهة مرآة قاسية تعكس التناقض بين الخطاب النسوي والممارسة الاجتماعية.. كما كشفت تلك المذكرات المدعومة بالوثائق، ودونتها فاطمة سري بنفسها، عن وجه آخر لعصر النهضة: عصر يرفع شعار التحرر لكنه يخفي وراءه منظومة قاسية من السيطرة الذكورية والطبقية.

قراءة مذكرات فاطمة سري اليوم ليس مجرد نبش في الماضي، بل محاولة لاستعادة صوت امرأة حقيقية همشِّت لأنها كسرت الصمت. ورفع لصوت لم يدوَّن في كتب التاريخ، لكن أرشيف الصحف استطاع الاحتفاظ به، ينتظر أن يسمع من جديد. وهي ليست مجرد استعادة قصة من الماضي، بل تفكيك لنموذج متكرر في التاريخ الاجتماعي المصري، كيف تتحول المرأة التي تتكلم إلى "فضيحة"، وكيف يعاد تأديبها ووصمها عبر التشهير والإنكار.. تأتي هذه القصة ضمن مشروع #قصص_مفقودة لتعيد إلى الذاكرة سؤالاً جوهريًّا عن النهضة التي لا تحتمل صوت امرأة تطالب بحقها،

ومن هنا تبدأ فاطمة سري حكايتها، لا كضحية، بل كشاهدة على زمن كانت فيه العدالة امتيازًا طبقيًّا، لا حقًّا يملكه الجميع، فجاءت مذكراتها شهادة على زمن كانت المرأة التي ترفع رأسها تحاكم مرتين، مرة في المحكمة، ومرة في الذاكرة الجمعية العامة للمجتمع.

مقدمة مجلة المسرح
"سادتي القراء: كثُر الأخذ والرد حول قضية السيدة فاطمة سري وزواجها من محمد بك شعراوي وجعل الناس يتقولون الأقاويل، والصحف على اختلافها تكتب ما يعن لها. وما قد لا يكون له أساس من الصحة.

وليتذكر الناس أنني كمغنية ضحيت شهرتي ومركزي وفائدتي المادية حين قبلت معاشرة محمد شعراوي

لذلك رأيت أن أتحرى الحقيقة، وليس دليل على هذه الحقيقة أكثر من أن السيدة فاطمة سري نفسها تقص حوادث هذا الزواج على القراء. فأنا أقدم هذه المذكرات للقراء دون تعليق عليها..".
تمهيد من فاطمة سري
من المحقق أن مصر لم تر إلى هذه اللحظة سيدة شرقية نشرت مذكراتها على أية حادثة من الحوادث التي صادمتها في الحياة لهذا سيكون عملي هذا جرأة في نظر البعض وغرابة في نظر البعض الآخر، والحقيقة أنه واجب أكرهتني عليه الظروف وسير الحوادث المزعجة وتكاتف شاب غني وبعض رجال المحاماة المشهورين

لهضم حقوقي ودوس كرامتي وسلب ابنتي حقها في حمل اسم أبيها الشرعي.
وحادثة ارتباطي بمحمد شعراوي مشهورة معروفة من الجميع، ذكرتها الصحف وعُرضت على المحكمة؛ أدعي أنا أنها شرعية وأن ابنتي منه ابنة شرعية باعترافه الكتابي، ويدعي هو أنه لا يعرفني ولا يعترف بالابنة.
والفصل في هذا الخلاف من حق المحكمة الشرعية قبل كل إنسان وقد لجأنا إليها: أنا بمستنداتي وهو بإنكاره، وسيصدر الحكم لصالح أحد الفريقين طبعًا، فكان من الواجب انتظار الجمهور هذه النتيجة ليكون على بينة من حقيقة الأمر.
ولكن بعض الصحف نشرت أشياء عن

هذه الدعوى، وهي نتف مما وصل إلى علم مخبريها ومحرريها؛ فأصبح الرأي العام يتناول البحث في هذا الأمر بدون استناد إلى أية حقيقة ثابتة.
لهذا رأيت من الواجب نشر مذكراتي الخاصة بعلاقتي مع محمد بك شعراوي متوخية فيها ذكر الوقائع كما حدثت، مع ذكر نوع تأثيرها في نفسي في كل ظرف من ظروفها، ليقف الرأي العام على الحقيقة، فلا يصور الأمور على غير حقيقتها، ولا يذهب في التخيل والفروض إلى حد يهضم فيه حق أحد الطرفين تحاملا عليه اعتباطا.
وليتذكر الناس أنني كمغنية ضحيت شهرتي ومركزي وفائدتي المادية حين قبلت معاشرة محمد شعراوي؛

كنت في صالة سانتي بحديقة الأزبكية أتهيأ للغناء فظهر أمامي فجأة محمد شعراوي وجماعته

بناء على التعاقد الذي تم بيننا، كذلك ضحيت كل ما عرض علي من المال عند طلب التسوية من قبل المحامي الذي يدير حركة تصرفات زوجي في دفاعه ضدي، ولا زلت مستعدة لكل تضحية مادية وأدبية بشرط واحد هو المحافظة على حقوق ابنتي، ذلك الإنسان البريء الذي أوجدته هذه العلاقة.
هبوا أن محمدا أخطأ في إيجاد هذه العلاقة وأنني أخطأت مثله فكلانا عليه أن يحتمل نتائج هذا الخطأ. ولكن ما ذنب ابنتي تلك الطفلة البريئة التي لم تشارك أحدنا في خطئه؛ ولم تكن لها إرادة أو يد في الخلاف القائم بيني وبين والدها؟

إذن نشر هذه المذكرات الغرض منه عرض أمري على محكمة الرأي العام لكيلا تصدر حكمها ضدي اعتباطًا كما تصدره على كل امرأة في مثل ظروفي وظروف محمد شعراوي. فليس أيسر على الإنسان من أن يذكر هذه العبارات. اقتنصته اقتناصًا -وفي في شراكها- أحبولة من أحابيل المرأة... إلخ.
يؤلم الإنسان في الحياة أن يكون مظلومًا ويضاعف ألمه أن يُنسب إليه أنه المعتدي بينما هو ضحية، ولا يمكن أن يُحدد مركزي في هذه الحادثة إلا بالدفاع عن نفسي حيال الألسن المبهمة والأقلام المتحدية، والتقولات التي تصل إلَي من كل ناحية فتزعجني حتى في بيتي.

فاطمة سري لم تكن فقط من نجمات صالة بديعة مصابني الشهيرة؛لكنها كانت أيضاً أول مغنية مصرية تغني أوبرا كاملة بصوتها 

فاطمة سري لم تكن فقط من نجمات صالة بديعة مصابني الشهيرة؛لكنها كانت أيضاً أول مغنية مصرية تغني أوبرا كاملة بصوتها 

وإذا كانت مذكراتي تفيدني في الدفاع عن نفسي أمام محكمة الرأي العام، فإنها عبرة من العبر تستفيد منها المرأة بوجه العموم، فلا تعود تنخدع بما يصرح به الشاب من دلائل الحب، أو يبديه من صروف الولع الشديد، فليس أقسى على قلب المرأة من تضحية فؤادها بتأثير غرام كاذب أو هوى غير صادق، وليس أشق على نفسها من أن ترى من احتال على فؤادها حتى استلبه منها أول من يطعن ذلك الفؤاد بقسوة صبيانية.
لقد حافظت على كرامتي حيال محمد فلم يتمكن مني إلا بشرط أن تكون العلاقة بيننا شرعية صحيحة،

فلما اقتنعت بأن الوسيلة التي اختارها لإقامة الزوجية صحيحة عاشرته معاشرة الزوجة لزوجها. فإذا قضت المحكمة الشرعية بأن الزوجية لم تكن قائمة شرعًا كانت الوسيلة التي امتلكني بها حيلة أو إكراها فتتحول المقاضات من المحكمة الشرعية إلى جهة أخرى من حقها النظر في ذلك.
فكل غايتي الآن من نشر المذكرات تبرئة نفسي أمام الرأي العام من كل ما نُسب إلَي، ولتكون يوما ما أمام ابنتي (ليلى) دليلاً على المجهود الذي بذلته لحفظ حقها في الانتساب إلى والدها الشرعي الذي ينكرها الآن لاعتبارات مادية، أو تحت تأثير مؤثرات أخرى طرأت عليه.
أما والدعوى أصبحت في يد القضاء

للفصل فيها، والمذكرات صارت في يد الرأي العام يفحصها، فإنني أنتظر حكمها لي أو علَي وأنا على يقين من رحمة الله.
....
المذكرات
كنت يومًا في منزلي كعادتي فدق جرس التليفون، فإذا بالمتكلم إبراهيم بك الهلباوي يطلب إلَي الحضور لمنزل السيدة هدى شعراوي في الليلة الثانية للغناء في حفلة ساهرة بمنزلها تجمع جماعة من الأجنبيات وبعض أفراد البيت. فاعتذرت لعجزي عن إجابة الطلب؛ لأنني مقيدة بعمل في تياترو رمسيس في ذلك الموعد نفسه.

وأنا ككل امرأة لي هذه الغريزة أبتهج بكلمات الإطراء لي أنا المرأة لا المغنية، فكلمة إعجاب واحدة بي أفضل عندي من كل أكف العالم تصفق

فألح على للقبول وللتنحي عن الغناء في التياترو، ولما لم يكن هذا في مقدوري لأن هذا النهج في العمل يسوئ سمعتي ويقلل من الثقة بي وبوعودي. فيعطل عملي أو يجعله مهددًا بالشك فيه، لهذا رأيت من المصلحة عدم إجابة الطلب. فكررت الرفض.
فلم ييأس محدثي وعرض علَي التفكر في الأمر، ثم إعطاء الكلمة النهائية في النهار الثاني- فقبلت وأنا على يقين من عدم استطاعتي الذهاب لمنزل آل شعراوي في الموعد الذي تحدد للحفلة الخاصة.
وكان المتفق عليه في حفلة التياترو أن أغني في أول الحفلة ثم انصرف مبكرة، وكان هذا في مصلحتي وحدها لا في مصلحة التياترو.

 هذا النص هو مثال لنص يمكن أن يستبدل في نفس المساحة،
 هذا النص هو مثال لنص يمكن أن يستبدل في نفس المساحة،

مجلة المسرح تفتح المجال لفاطمة سري لتقص قصتها بنفسها، ما يمكن اعتباره سبقًا صحفيًّا بمقاييس الصحافة في ذلك الوقت - أرشيف مدينة الرقمي

فقابلت يوسف بك وهبي في مساء اليوم الذي تمت فيه هذه المحادثة التليفونية وعرضت عليه أن أغني في نهاية تمثيل الرواية بدلاً من أول الحفلة، فرأى العرض في مصلحته، فقبل ممتنًا. فكانت الصفقة لمصلحتي؛ لأنني أستطيع بهذا الاتفاق الغناء في منزل آل شعراوي، ثم الذهاب إلى التياترو بعد ذلك لإتمام عملي فيه، وهكذا تم الأمر.
غنيت في قصر آل شعراوي بين المدعوات وبعض أفراد البيت، وكان منهم شبان لم أدر أيهم محمد شعراوي، بل كنت أظنه شابًا جالسا أمامي، فعلمت بعد ذلك أنه كان في جانب آخر بعيدًا عني، وكان في صمت دائم كثير الإنصات في تعقل ورزانة.

انقضت السهرة فقدمت لي السيدة هدى هانم عشرين جنيها ضمن غلاف فأخذتها وانصرفت. وبعد ثلاثة أيام كلمني بالتليفون السيد أفندي محمد السقاف أحد الذين كانوا في حفلة آل شعراوي ورجا مني أن ألبي دعوة محمد شعراوي لتناول الشاي معهما في ميناهوس بجانب الأهرام فرفضت الدعوة.
وحدث أنني كنت في صالة سانتي بحديقة الأزبكية أتهيأ للغناء فظهر أمامي مفاجأة محمد شعراوي ومحمد السقاف وثالث لا أذكره وكان المكان مزدحمًا بالناس ليس به مكان لقادم. فشق علي أن أبعده، فطلبت من حسن شريف صاحب الحفلة كراسي للجميع

فجيء بها إليهم فجلسوا بجانب المسرح نفسه، حتى انتهت السهرة. فلما هممت بالانصراف اعترضوني هم الثلاثة وأوصلوني إلى السيارة ثم ودعوني توديعا يصح أن يقال عنه أنه وداع حار.
وحدثني محمد السقاف بعد ذلك بأيام بالتليفون فاعترف لي صراحة بأن محمد شعراوي يحبني منذ رآني في منزلهم وأنه فقد صبره فلم يعد يحتمل عذاب الهوى المبرح. وهو يرجو مني أن أقبل دعوته لوليمة في ضيعة قريبة (ملك محام كبير) لقضاء وقت في المسامرة مع محمد شعراوي فرفضت الدعوة. وهنا يجب أن أقف قليلاً عن سرد الحوادث المتوالية لأبدي بعض الملاحظات الضرورية.

ماذا تهمني ثروة محمد شعراوي؟ هل كنت محتاجة للمال وأنا أربح منه المئات في كل شهر بدون تضحية؟

من عادة المرأة الابتهاج بما تحدثه من التأثير في فؤاد أي رجل- تنتعش انتعاش السرور إذا سمعت عبارة تدل على الإعجاب بها. وينشرح صدرها انشراحًا إذا رأت على وجه من الوجوه حتى المجهولة دلالة من دلالات التأثير الصامت.
وأنا ككل امرأة لي هذه الغريزة أبتهج بكلمات الإطراء لي أنا المرأة لا المغنية، فكلمة إعجاب واحدة بي أفضل عندي من كل أكف العالم تصفق استحسانًا للغناء أو إعجابًا بحسن الصوت وجودة الصناعة.
إذن كانت النتيجة الطبيعية لهذه القاعدة الصحيحة أن أبتهج بما قيل لي من ولع محمد شعراوي بي،

ومن مزعجاته بالتليفون، وشهود الحفلات ودعوتي بين حين وحين لتناول الشاي أو لوليمة خلوية، ولكن الحقيقة كانت غير ذلك.
كنتُ مستخفة بهذا الشعور، كنت مستهينة بنوع تأثيري فيه، كنت غير راضية عن طلبه التعرف بي؛ لأنني لم أكن أعد ذلك فوزًا لي أنا المرأة بتأثير محاسن خاصة عرفها، إنما كنت أعتقد أن عمله نزوة من نزوات أمثاله أبناء الأغنياء. كنتُ أثور ثورة الحنق عندما أذكر أنه يتوهمني سلعة يمكنه أن ينالها ببدرة من الذهب ثم يتحول عنها تحول النافر. لهذا كنت أرى في إنصاتي لدعواته ولتوسلاته على ألسنة أصدقائه إهانة لكبريائي واستخفافًا بعزة نفس المرأة!

 هذا النص هو مثال لنص يمكن أن يستبدل في نفس المساحة،

هل كانت فاطمة علاقة عابرة خطط لها الوجيه الطائش الذي طاردها في كل مكان؟

كنتُ أعتقد أن صورة أية امرأة حسناء ترتسم أمام محمد شعراوي تنسيه صورة المغنية التي هام بها. وكنت أتمنى أن يقع نظره على تلك الصورة المجهولة قبل أن أخطئ فأغره، أو قبل أن يحملني الحياء والخجل من استمرار الرفض على قبول دعوة من دعواته المتكررة. كنت أتمنى أن تنقطع الصلة بيني وبين هذا الشاب الذي لا أعرفه، قبل أن توجد، وقبل أن أفكر في وجودها بأية صورة.
ما هي قيمة محمد شعراوي في نظري؟ لا شيء. هو شاب. وللشباب بعض المحسنات في نظر المرأة، تغريها إذا كانت طائشة، ولكن للشباب عيوبًا كثيرة: نزوات الطيش،

والرعونة والتقلب، وعدم الوفاء، وعدم المبالاة ثم عدم تقرير التضحية.
وهنا يجب أن أذكر أن محمد شعراوي غني من أصحاب الثروة، ولكن ماذا تهمني ثروة محمد شعراوي؟ هل كنت محتاجة للمال وأنا أربح منه المئات في كل شهر بدون تضحية؟ هل كنت محتاجة للحلي؟ ألم يكن بين الجمهور وعشرات أمثال محمد شعراوي في الولع بي يكفي أن أظهر لواحد منهم أولهم جميعًا نظرة رضاء فتنقل إلي الجواهر والقراطيس المالية ثمنا لتلك النظرة الكاذبة؟
إذن لم تكن لي أية مصلحة في معرفة شاب من المحقق أن هنائي معه يكون قصيرًا ويكون مشوبًا بأنواع الخطأ

والمنغصات. ولهذا كنت أرفض كل دعوة أعلم أنها تجمعني به في مجلس خاص لأمنع كل سبب يحدث التعارف والصلة. كنتُ عاقلة. كنت حكيمة وأنا أنحو هذا النحو المنفر. وقد أدركت الآن أنني كنت على حق في تصرفاتي الأولى. فإذا كان هناك ما ألوم نفسي عليه فهو الذي حدث بعد ذلك.
العاطفة الأولى
كنت ليلة في قهوة البوسفور على المسرح أغني، فرأيت محمد شعراوي وجماعته في لوج قريب من مكاني وكانوا يقطعون أيديهم بالتصفيق لإظهار الاستحسان، أو للفت نظري إليهم. ورأيت في إحدى المرات الجمهور كله قد هدأت ثورته فكف عن التصفيق،

كنتُ أثور ثورة الحنق عندما أذكر أنه يتوهمني سلعة يمكنه أن ينالها ببدرة من الذهب ثم يتحول عنها تحول النافر

فلم يبق في المكان غير شاب واحد يصفق بصورة تلفت النظر وتحمل على الانتقاد. فتحولت لناحيته فإذا به محمد شعراوي.
في هذه اللحظة وحدها أشفقت على الشاب. في هذه اللحظة ذاتها اختلج فؤادي بعاطفة مبهمة. أدركت أنني مبتهجة، ولكن هل كان ابتهاجي بتصفيقه أم بالباعث الحقيقي الخفي الذي حداه للتصفيق؟
كنتُ أتألم إشفاقًا على يديه من التصفيق، وكنت أحاول الصياح به لأمنعه من إيلام كفيه، فأغمضت عيني كيلا أطيل النظر إلى وجهه، ولكن هذه الغمضة جعلتني أرى صورة محمد شعراوي مرتسمة على فؤادي،

ففزعت وتنبهت من هذا الحلم اللذيذ، وحاولت استرداد عاطفتي الجامحة، أردت أن أعود إلى جمودي الأول وإلى المقاطعة.
ولكن كيف أفر من موقفي ذاك وأنا مكرهة على البقاء فيه لتأدية الغناء الذي أُجرت عليه؟ كان الجمهور يجهل مقدار انزعاجي في تلك اللحظة، وكان بعضهم يصبح بطلب الإعادة، وكانت الآلات تناديني بحركات عنيفة لتأدية الواجب. ولكن كيف ينبعث صوتي من حنجرتي وفؤادي يضطرب وقلبي يختلج، وأفكاري مرتبكة؟
الجمهور لا يعرف شيئًا من كل هذه الانفعالات النفسية، الجمهور ظالم مستبد لا يشفق ولا يرحم،

يطلب كل ملذاته حتى من المنكوبين والمتألمين فغنيت وحاولت أن أتلهي بالغناء عن ذلك الشيطان المزعج الذي يحاول انتزاع قلبي من صدري، وهو في براءة من لا يميز بين التمر والجمر.
يعلم الله وحده ما كنت فيه بتأثير تلك الانفعالات المختلفة المتجددة! فلما انتهت الحفلة تنهدت تنهد الراحة وأسرعت إلى سيارتي أحاول الهروب من تلك المؤثرات. فكم كانت دهشتي وحيرتي عندما وجدت محمد عند السيارة يتحكك بي في مغامرة من فقدوا الحشمة ومظاهر الأدب الواجب!
أنَّبته لأردعه، وكنت أختار بعض الألفاظ القاسية لأبعده عني. وكل كلمة أظن أنها تؤلمه أتمنى أن ترتد إلى صدري

للشباب عيوبًا كثيرة: نزوات الطيش، والرعونة والتقلب، وعدم الوفاء، وعدم اللامبالاة

سهما يمزق أحشائي.
فلم أتمكن من إبعاده عن السيارة إلا بعد جهد عظيم، وبعد وعد بمقابلته أمام محلات عمر أفندي. وصلت إلى البيت فوجدت محمدًا وجماعته أمام الباب سبقوني بسيارتهم. فعدت لتأنيب محمد وطلبت إليه الانصراف محافظة على كرامتي فتأثر واشترط أن أبدل ثوبي وأعود إليه للتريض معه. فوعدته بذلك فأخلى لي الطريق فصعدت إلى مسكني.
رأيت الشاب في ثورة عواطفه ينسرح من حلمه ومن حيائه. فلم يكن هو محمدا كثير الحياء بادي الوداعة، إنما كان المتوسل المغامر، ثم رأيته ينكص على أعقابه في حسرة من خاب رجاؤه ولم تتحقق أمنيته، فأشفقت عليه.

صعدت السلم وأنا تحت تأثير هذه الانفعالات المتصادمة. فلست أبالغ إذا قلت إنني كنت متعثرة، أرى من الإنسانية العودة إلى سيارة ذلك المتألم لألطف شيئًا من آلامه النفسية بكلمة هادئة. ولكن هل تكون هذه المجازفة من العقل؟ ألا يجوز أن تكون عودتي هذه باعثًا جديدًا يزيد ثورة العاطفة التي تعصف بين جبني ذلك الواله؟ وهل يدرك هو أو غيره من الناس السبب الحقيقي الذي حداني للنزول على تلك الصورة؟ هل يذكرون أن الإنسانية والإشفاق هما اللذان دفعاني إلى سيارة محمد لألطف ألمه وأواسيه؟ هل يمكن أن يتصور الإنسان البشري أنه دعاني كمحبوبة فجئت إليه كممرضة؟

قويت في فؤادي عاطفة الشفقة حتى كادت تردني إلى الشارع، تردني إلى الشارع، ولكن العقل كان يصور لي هذه العاطفة خطأ من أخطاء المرأة التي تحدوها إلى الندم دائمًا فكنت بين عاملين قويين: القلب الضعيف يدفعني لتأدية واجب إنساني، والعقل يردني عن الواجب إلى المحافظة على الكرامة، وعلى الطمأنينة، وعلى المعيشة الهادئة المألوفة. لم يكن في مقدوري المقاومة التامة، فأردت أن أعاون العقل على العاطفة بسبب مادي يمنعني من النزول، فأسرعت بخلع ثيابي، تجردت منها تجردًا، انتزعتها انتزاعًا وبعثرتها في كل ناحية، وصدري يجيش بالعواطف وعقلي في غضب كأنه الزوبعة.

كنت كامرأة مغتبطة كل الاغتباط بانطراح قلب شاب رشيق تحت قدمي يطلب الرحمة

في هذه اللحظة دق الباب، وكان الطارق سائق سيارة محمد شعراوي يتعجلني للنزول، فرفضت، وشيعت الرجل بكلمة تمنعه من الإلحاح ومن الرجاء.
ثم سمعت باب المسكن يرتد وراء السائق، سمعت وقع قدميه في الشارع، ثم صوت السيارة تنطلق، فارتميت على مقعد في أشد حالات الألم، وكلما تمثلت ما يحدثه الرفض في نفس محمد شعراوي، وكلما تصورت التأويل الذي يأول به هذا التصرف تتضاعف هذه الآلام النفسية وتثور عواطفي على عقلي تحاول انتزاعه من رأسي، إذ أن لي عقلاً في تلك الساعة- أيها الكتّاب، يا جماعة الذين يكتبون عن نفسية المرأة،

لم يكن أحدكم امرأة في أي حين، فكيف تعرفون نفسية المرأة!
اكتبوا عني ما شئتم، قولوا إنني كنت أحاول استغلال هذه العاطفة، أذكروا أنني قسوت لأستبد بعواطف ذلك الشاب وأعبث بقلبه المندفع.. قولوا ما اعتدتم أن تقولوه عن المرأة عند تأويل تصرفاتها، فكل أقوالكم وكل فلسفتكم لا تمنعني أنا من إدراك ما أدركت ولا من التألم مما تألمت!
*
كنتُ كامرأة مغتبطة كل الاغتباط بانطراح قلب شاب رشيق تحت قدمي يطلب الرحمة. وكنت كأم أحاول المحافظة على كرامة بيتي وأطفالي واسمي. وكنت كإنسان أعطف

على ذلك العاشق وأشفق عليه وأتمنى أن تغلب عواطفي عقلي فارتمي بجانب ذلك المتألم في السيارة، لتنطلق بنا إلى حيث يشاء القدر.. فإذا كان بين الكُّتاب كاتب يحسن معرفة نفسية المرأة في مثل هذا الموقف فليصف حالي في تلك الليلة، فإذا أحسن الوصف أحسنت مكافأته.
الزيارة الأولى
في النهار التالي لهذه الحوادث دق جرس التليفون ثم نادتني الخادمة لأكلم شخصًا في الإسكندرية، فإذا به محمد شعراوي. لم يكن محمد يستقر يومًا بدون إزعاجي بحادث جديد. إذ كان يريد أن تبقى في ذهني على الدوام ذكراه بتأثير مزعجاته. حدثني بالسفر

حب المرأة أقوى من حب الرجل، أعمق غورًا وأوضح ظهورًا، وأطول عمرًا

السريع إلى الثغر، ثم انتقل إلى الحب الذي يدعيه فاعترف صراحة وبعبارة تدل على التألم والتوسل، فحمدت الله على أن هذه المكاشفة كانت بالتليفون، فلم ير محمد اضطرابي وارتجاف يدي، كذلك لم ير صورة الابتهاج التي ارتسمت على وجهي!
لا تنسوا أنني امرأة.. واذكروا أن المرأة على العموم تبتهج كل الابتهاج بامتلاك أي قلب يحبها. فليس من الغريب ولا من الشاذ أن أبتهج عند سماعي مكاشفة محمد بحبه.
محمد شاب في ريعان الصبا ممتلئ صحة وعافية وحياة. قلبه يلتهب التهابًا بحرارة الحب الأول، وأفضل شيء عند المرأة وثوقها من صدق النظرات

وكثرة التنهدات وصدق الاعتراف، وحرارة الشوق، ثم المكاشفة بتأثير العواطف الثائرة مع اندفاع العاشق في وجود الحياء.
في الليلة الماضية خفق قلبي لأول مرة لمحمد شعراوي، وفي النهار الثاني حملت إلَي أسلاك البرق اعترافه الصريح، فمن حقي أن أبتهج ومن حقي أن اضطرب. فكل امرأة ترتبك وتضطرب عند شعورها بالحب يفتح عنوة مصراعي قلبها المغلق.
عاد محمد من الإسكندرية، فعاد إلى التليفون يحدثني به، ثم رجا مني أن أسمح له بالزيارة. فلم أجد في مقدوري قوة على رفض التماسه. وكل ما أذكره أنني قبلت، ثم اختلج صدري بشدة

 هذا النص هو مثال لنص يمكن أن يستبدل في نفس المساحة،

بين سطر وآخر تذكرنا فاطمة سري أنها امرأة وأن هذا له تبعاته ونتائجه - أرشيف مدينة الرقمي

من تصور ما سيكون في المقابلة الأولى، فخجلت وأبعدت مسرعة من مكان التليفون، متندمة على قبول الرجاء، مبتهجة جدًا بهذا التعجل الذي أزال كل أسباب التردد.
حان موعد المقابلة، حياني وحييته، تبادلنا النظرات، فكان بادي الشوق وكنت في روعة التي فقدت قلبها وصوابها، غير أنني أقدر منه على حبس عواطفي في صدري، فلم تبد له واضحة أو مسموعة عند شكواه. كان يُظهر الألم، وكانت أحشائي تتمزق، أهم بالارتماء على صدره ثم استولى على عواطفي الجامحة فألبث في مكاني جامدة خرساء. فيتوهم الشاب عكس الحقيقية فيفيض في شرح آلامه

واحترق أنا أسى عليه ورثاء له. ولكن ماذا أفعل! هل ارتمي عند قدميه لأضع فؤادي في موطىء نعليه؟
غلبت كبرياء المرأة عواطفها، فحافظت على رصانتي؛ أما هو فظن أن الجلسة لا يمكن أن تطول، فطلب مني الخروج معه للتريض في سيارته، فرفضت، فألح فقبلت. ولو كان محمد مدركًا صادق النظر، لأدرك من قبل ذلك الرجاء أنني فقدت إرادتي وبت طوع أمره، فلم يكن له أن يرجو، إنما له أن يأمر فأطيع طاعة عمياء.
انطلقت بنا السيارة تنهب الأرض، وكنت بجانب الفتى الذي أباده الحب انتفض انتفاض الإنسان لمس سيالاً من الكهرباء، تختلط في نظري المرائي

والمشاهد والمناظر فلا أميزها تمييزًا صحيحًا. لا ترقب أذني غير صوته، ولا تريد عيني أن ترى غير وجهه. وكنت أتمنى في تلك الساعة أن تبقى السيارة منطلقة بنا إلى يوم البعث، بشرط أن تنطلق في الخلاء بعيدًا عن أنظار الناس.
كنت أشعر في تلك اللحظة الرهيبة أن قلبي يدق بسرعة يكاد أن ينخلع من مكانه، وأحس قوة مبهمة تستولي على فتخدر أعصابي فيسترخي جسمي، وأدرك أن شيئًا يتمشى مع دمي فإذا وصل إلى قلبي ضاعف دقاته، وإذا مر بمركز الأعصاب أحسست شيئا من اللذة غير المعروفة، غير المحددة، غير المدركة، يشعر بها الإنسان ثم يعجز عن وصفها؛ لأنها غير مادية فلا تدل عليها الألفاظ.

كنت أنسى بجانب ذلك الشاب كل شيء في الحياة ولا أعود أشعر إلا بحنان غريب نحوه

هذا هو الحب! إذن كل الحب يحتل فؤادي تجري مع دمي، يلاشى قوة إرادتي؛ يذهب بصوابي، يستعبدني لذلك الفتى الغر الذي لم يكن يشعر من خاصيات الحب إلا بالشوق إلى المرأة التي أحبها، وبالرغبة في امتلاكها.
أحببت محمد بعاطفتي وغريزتي، وأحبني كمستبد يريد أن يحقق رغبته بامتلاك ما اشتهاه. أيها الناس للمرأة قلب كقلب الرجل يحس وبشعر ويبتهج ويتألم، تؤثر فيه العاطفة، ويشتد ولعه بتأثير الشوق والغريزة، بل حب المرأة أقوى من حب الرجل، أعمق غورًا وأوضح ظهورًا، وأطول عمرًا، فإذا استطاعت أن تقاوم قبل تمكن الحب من فؤادها، فإنها تكون أضعف

من الرجل بعد استسلامها للحب، وبعد اندفاعها بتأثير العاطفة المهتاجة، فلماذا إذن تظلمون المرأة دائما بنسبة القسوة إليها؟!
*
كل حب جديد يكون قوي التأثير في النفس يبعث على القلق وعلى عد الاصطبار عن المحبوب، كذلك كان شأن محمد، لم يكن يستطيع الصبر طويلاً بعيدا عني، فدعاني لتناول طعام الغداء معه في ميناهوس، وكان من المحتم أن أغني في مساء ذلك النهار في صالة سانتي بالحديقة، فطلب إلَي أن أسمح له بالحضور لسماع غنائي فقبلت. وهنا بدأ شيء من ولعه الصبياني بل كل الرجال يرجعون بأعمالهم إلى تصرفات

كان تراس مينا هاوس القصر الذي أنشأه الخديو إسماعيل ليكون استراحته الخاصة ملتقى يوميًّا معتادًا لسهرات أهل الفن

كان تراس مينا هاوس القصر الذي أنشأه الخديو إسماعيل ليكون استراحته الخاصة ملتقى يوميًّا معتادًا لسهرات أهل الفن

الصبيان في المرحلة الأولى من مراحل الحب. طلب إلَي محمد أن أوجه إليه نظري من المسرح، ثم طلب مني أن أغني: حبك يا سيدي غطى على الكل.
لم يستطع صاحبي على إخفاء عواطفه ولكن عيون الجمهور لا تستطيع أن تراها؛ لأن الذين يظهرون هذه العواطف بالتصفيق وترديد الآهات كثيرون في مثل هذه الحفلات يضيع بينهم محمد، فلا يحسه أحد من الحاضرين، وهذا الذي كنت أتمناه. عدت لمنزلي بعد السهرة، فدق التليفون وكلمني محمد يطلب مني الإذن له بالحضور لمقابلتي فرفضت، فرجا مني الخروج لمقابلته والتريض معه في سيارته فلم أر هذا مناسبًا في الليل فرفضته

أيضًا، ورجوت من صاحبي أن يكون رزينًا قليل التعجل.
المقابلة الثانية
تمت المقابلة الثانية باتفاق بيننا بالتليفون، فانتظرت محمدًا في الموعد المحدد للمقابلة في اضطراب وارتباك، وكنت شديدة الولع به إلى الحد الذي لا آمن فيه الارتماء على صدر الزائر المحبوب عند رؤيته، فلما ظهر أمامي وجمت وتملكني الحياء، بل تلاشت الرغبة وظهرت مكانها كبرياء المرأة.
جلسنا متقاربين، كلانا في تريث المبتدئ، وانكماش الذي يملكه الخجل والحياء، فكان حديثنا عيونًا تختلس النظرات، وخفقانًا تخفيه الجوانح، وشوقا حارا تستره الصدور، وحنينًا يبدو مكتومًا

تبعثه العاطفة الناشطة ويرده إلى مكمنه الخجل والتهيب.
حدثني عن رغبته في سفري إلى الإسكندرية لقضاء فصل الصيف هناك معًا، واعترفت له بأنني أقضي وقتا غير قصير من الصيف في أوتيل رجينا كل عام؛ وبأنني على وشك السفر؛ فأظهر الابتهاج. وجاءني موظف كبير في دائرته في النهار وأعطاني عشرين جنيها نفقات الانتقال. فلما عقدت العزم على الانتقال للإسكندرية رافقتي صديق لمحمد يدعى حسين السرجاني، فوجدنا محمدًا في انتظارنا بمحطة سيدي جابر، فأكرهني على النزول بتلك المحطة مع أنني أنزل دائمًا في محطة الإسكندرية.
أراد الشاب أن يرغمني على النزول

القبلة هي المعنى المراد منها: شوق كالجحيم لا يمكن إطفاؤه

في جارسونيير اكتراها لي ولمن معي ولخدمي، فرفضت بتاتًا، فاضطر أن يعود بي إلى فندق رجينا حيث اعتدت الإقامة أثناء وجودي بالإسكندرية. تركني في الفندق برهة وحدي لإبدال ثيابي، ثم عاد إلى فخرجنا معا فأضعنا الوقت في الرياضة والتنقلات حتى انتصف الليل، فعدت لفندقي وعاد هو إلى حيث يبيت.
*
بدأنا بعد ذلك حياة كلها مقابلات ورياضة في مختلف أماكن النزهة، ونزهات طويلة في السيارة، ولست أدري كيف أحدث عن نوع تأثير هذه المعاشرة البريئة في نفسي، فقد كنت أنسى بجانب ذلك الشاب كل شيء

في الحياة ولا أعود أشعر إلا بحنان غريب نحوه، فتمر الساعات تلو بعضها ونحن لا نحس مرور الزمن بل كنت أتألم حقيقة عندما يحين الوقت الذي ننفصل فيه ليطلب كل منا الراحة في النوم.
لا يمكن أيضًا أن تعرف المرأة شيئا من ملاذ الحياة أشهى لنفسها من حب ينشأ عفيفًا ويدوم كذلك، وقد كان الحب إلى تلك اللحظة بريئًا من كل ما يلوثه. لم أكن أحب شباب محمد، ولا ثروته، ولا اسمه، بل لم أكن أفكر حتى في مركز عائلته، إنما كنت أحب محمد وحده مجردًا من كل شيء.
كنتُ أتمنى أن يكون وحيدًا فقيرًا بدون اسم وبدون عائلة ليكون لي وحدي،

فأنزل إلى مستواه وأقدم له روحي ثمنًا لهواه.
كنت أرى ثروته واسم عائلته من المنغصات التي تهدد هذا الحب بالزوال يومًا ما، لهذا كان صدري يضيق ويتولاه الانقباض كلما فكرت في تلك المنغصات، فأتخيل كل الفروض التي تفرضها الناس وتتوهمها سببا العلاقة الغرامية التي نشأت بيني وبينه، فيتولاني الفزع ثم انكمش بجانبه بعد الابتهاج.
كثيرًا ما فكرت في هذه المنغصات فكان ذلك التفكير من البواعث التي جملتني على عدم الاسترسال في غمرة الحب المداهم، ولكن قوة الحب الغشوم كانت في بعض الأحيان أقوى من كل شيء حتى من المزعجات والمنغصات

عاد زوجي الأول من أوربا في ذلك الظرف، وبلغ إليه نبأ ذلك الهوى الجديد الذي فشا أمره

فكانت تعدو على عيني فتعميها عن الخلق، وعلى عقلي فتبدده تبديد الريح الضباب، وعلى قلبي فتفتح مصراعيه للهوى المقتحم، فأنتحل الأعذار للاستسلام للظروف والأقدار.
في لحظة من لحظات هذا الضعف استسلمت للحب فنال مني محمد القبلة الأولى في سيارته. لم تكن هذه القبلة الأولى على صفحة خدي، ولكنها كانت الأولى التي سلبتني كل إرادتي فاسترخى جسمي، فقدت صوابي في دوار لذيذ، وبينما كانت السيارة منطلقة بنا على الأرض، كنت أتوهم في ذلك الحلم المبهج أنني في غير عالم الأحياء سابحة في الفضاء إلى نعيم غير الذي عرفته على الأرض.

لا يحق للمرأة أبدًا مهما كانت الظروف ومهما كان ولعها بمن تحب أن تسلم لحبيبها فؤادها كما أخطأت أنا وفعلت، فالظروف تتبدل وقلب الحبيب يتحول فلا يبقى من الحب غير ذكراه ولا في قلب التي استسلمت غير غصص الحسرة والندم وغير وقر العذاب والألم.
ما هي القبلة على الخد أو الفم؟! صوت يصدر من الفم عند حركة تماسه بالخد، كما يحدث هذا الصوت نفسه عاليًا أو ضعيفًا عند تقبيل الإنسان صورة أو خطابًا أو تمثالاً.
إذن ليست اللذة في انطباع الفم على وجه المحبوب إنما في إدراك الشوق الحار الذي حداه للدلالة عليه بالقبلة. إنما القبلة هي المعنى المراد منها:

شوق كالجحيم لا يمكن إطفاؤه إلا بامتزاج الروحين وتماس البدنين. وهكذا كنت أفهم معنى قبلات محمد، وهكذا كنت أقبله لأبادله الشعور والشوق ومعنى الائتلاف الروحي.
بعد كل هذا الهناء (السابح)، وبعد كل ذلك الشوق الحار، بعد كل هذا الغرام الثائر تناولنا لأول مرة العشاء معًا منفردين في الجارسونيير.
*
لم يكن صاحبي محاذرًا، ولم يكن حريصًا على كتم سر حبنا المتبادل، ففشا الأمر حتى بلغ بعض أصحاب الصحف فنشرت عنه جريدة الصباح كلمات، استخف بها محمد. أما أنا فكان رأيي أنها أول المعاول التي تهدم صرح ذلك

صارحني بأنه يعتقد أنني أحبه طمعًا فيه، فلم أشأ التبرؤ أمامه من هذه التهمة، لأنه انقلب في نظري صبيًا أحمق

الحب الراسخ. وعاد زوجي الأول من أوربا في ذلك الظرف، وبلغ إليه نبأ ذلك الهوى الجديد الذي فشا أمره، فلم يشأ أن يترك لي ولدَي منه فأخذهما إلى القاهرة، فصلهما عني فصلاً فيه معنى قسوة الرجل على المرأة. وبلغت محمد هذه الحادثة فثار غضبه وأشفق على قلب الوالدة التي تحرم من أولادها قهرًا عنها، وصرح لي بأن احتمال هذا الألم بسببه فيه شيء من التضحية في سبيل الحب يقدره الحبيب إذا كان له رجولة ومروءة وشعور حساس.
كنتُ أتوهم صاحبي طيب القلب، حسن النية، صادق الحب، لا يستطيع أن يكون خبيثًا وليس في مقدوره أن يمتلك فؤادي مخادعة،

وربما صح حسن ظني به لولا بعض المؤثرات الخارجية عليه.
كان حوله لف من الناس، عرفوا طبعًا مقدار ما نتبادله من الحب النزيه، ورأوا أن من مصلحتهم بصفتهم حاشية ذات مطامع أن بقاء محمد على حب واحد طاهر بعيد عن سفه الوارثين لا يمنيهم بملذات التنقل بين الغانيات والإنفاق على مثال ذوي النزق، لهذا تأففوا من وجود ذلك الحب المفرد البريء من كل أمل أو غاية أو نفقة، فانحطوا على آذان محمد ليبعدوه عن التي اختارها لهواه واستلبها فؤادها بإخلاصه وشدة ولعه.
بدأ دور تأثير العذال في شاب لم يجرب بعد الناس، ولم يعرف مكر الذين

 هذا النص هو مثال لنص يمكن أن يستبدل في نفس المساحة،

حين علم الزوج الأول لفاطمة بعلاقتها مع محمد شعراوي أخذ منها ولداها، ومنهم سلمى التي تحملها في الصورة -أرشيف مدينة الرقمي

ينضمون حول ذوي الثروة، فانصاع لهم وانقلب علَي.
فيا لله من هول تلك الساعة التي قابلني فيها محمد وهو تحت تأثير ما دسوه في أذنه من أنواع الوشاية! صارحني بأنه يعتقد أنني أحبه طمعًا فيه؛ فلم أشأ التبرأ أمامه من هذه التهمة؛ لأنه انقلب في نظري صبيًا أحمق لا يستحق كلمة واحدة لإثبات خطئه وبراءتي.
كانت الصدمة فجائية وشديدة، ولكنها ردّت إليّ كبريائي وعزة نفسي بدلاً من أن تلقيني صريعة. لقد خسرت حبي وفؤادي، وحرمت من لذة البقاء مع ولدي، فماذا سأخسر بعد هذا الانقلاب؟ محمد طبعًا!! فما هي قيمة محمد

في نظري بعد هذا الاتهام؟ لقد كنت أحبه حبًا منزها عن كل غاية لاعتقادي فيه الطيبة وصدق الحب والنزاهة، فلما ظهر بمظهر ذوي السخف رأيت أن اخسره هو الآخر لأضع حدًا للأعمال الصبيانية التي بدأ بها دور المنغصات.
أظهرت له استعدادي لقطع العلاقة التي كان هو السبب الرئيسي في وجودها، فكتب لي شيكًا ثمنًا لأوقات الهناء الطاهر التي قضيناها معًا؛ ولم أدرك مقدار المبلغ الذي قدره ثمنًا لتلك الأوقات الهنيئة.
فكان في عمله الأخير قاسيًا ظاهر الطفولة، استخف بي إلى أبعد درجات الاستخفاف، ظن أنني المرأة التي تبيع فؤادها بالمال، وأوقات الهناء بالشيكات،

عمي عن قلبي المشتعل وفؤادي المعذب، ضل عن حبي الخالص الصادق المنزه، وكيف يستطيع غر مثله معرفة نوع حب المرأة إذا أخلصت في الحب وهو لا يزال في أول فجر العمر، وعلى أول مرقى من مراقي المحبين؟
تناولت منه الشيك وعيناي يبللهما الدمع، ونار الغضب تبخره قبل أن يظهر من بين الجفنين ويبدو ليرى بالعينين. تناولت بيد ترتجف من الحنق ثمن قبلاتي وعواطفي، وحناني، وأشواقي الحارة.
يالله! هل في العالم كله ما يكفي لثمن قبلة واحدة صادقة من امرأة؟
لقد كان ذلك النزق الأرعن يصارحني أنني سلعة والشيك في يدي دليل

تمر الحوادث فلا يبقى في الذاكرة غير ذكرها، وتمضي الأحلام اللذيذة فلا تترك في ذهن المرء غير خيالاتها

على المنزل الذي أنزلني إياه ذلك الأعمى الذي لم يحسن وزن عواطفي وإخلاصي، فبدأت أمزق الشيك في سكون وهدوء، وأطرح تحت قدمي قطع الورق واحدة بعد الأخرى ثم أشرت بيدي إلى الباب أطرد ذلك المنكوب في عقله.
لا.. لا.. لا.. لا يمكن أن أبيع قبلة واحدة صادقة بكل ثروة محمد، بل لا يمكن أن أبقي على حب شاب غبي توهم أنه يستطيع شراء قلب المرأة بالذهب، فيبقيه تحت رحمته ما شاء ثم يقصيه عنه متى أراد!
من هي المرأة التي تقبل أن تكون كذلك؟ أنا! هل نسى الأرعن المتهوس

أنني كنت إلى تلك اللحظة أضحي عملي وإيرادي ووقتي وقلبي وروحي بدون ثمن وبدون مطمع، وبدون أمل؟! إن من يعمى إلى ذلك الحد لا خير فيه ولا خير في امرأة تستبقيه!
عجيب أمر الرجل! تضحي له المرأة نفسها وتنطرح عند مواطئ نعليه، فيقصيها عنه برفسة من تلك النعل، وتستخف به وتقسو عليه صيانة لكبريائها فيتحول من الاستخفاف إلى العقل ثم إلى التذلل والتوسل!
رأى الغني المغرور صدقته تمزق ثم تداس بالنعل، ورأى المرأة التي أسلمته حياتها تطرده في صمت وسكون، فبكى.
أدرك في تلك اللحظة فقد أنه أخطأ وأنه أساء إلى التي لم توله غير الإحسان.

أدرك أن المرأة التي احتال على فؤادها حتى استلبه، ضحت عملها ورزقها، ونعمة البقاء مع فلذة كبدها، وكبريائها وشهرتها لتكون طوع إشارته ورهن إرادته، يلازمها في السيارة أو في المتنزهات ودور الملاهي، فتشتغل به وحده عن كل شيء عداه.
أدرك أنها ضحت له ولم تقبل منه تضحية أدرك أن الحب وحده هو الذي يتحكم فيها ويملك عنانها ويهيمن على إرادتها فيمكن منها من أحبته في طهر وبراءة.
بكى الشاب بكاء المخطىء المعترف بخطئه، ولكن الصدمة التي صدمت فؤادي ونالت من عزة نفسي

بدأت أمزق الشيك في سكون وهدوء، وأطرح تحت قدمي قطع الورق واحدة بعد الأخرى

كانت شديدة لم تنبه فؤادي للرحمة، ولم توقظ فيه الشفقة، فانصرف محمد وأنا لا أزال في ثورة غضب المرأة المطعونة في قلبها.
وجاء لزيارتي في المساء موظف كبير في دائرة محمد؛ فصرحت له بعزمي على قطع هذه العلاقة المزعجة؛ وجاء محمد بعد ذلك لمتابعة حياتنا الغرامية الأولى فرفضت مقابلته، فأحس مني القسوة، وتألم، ولازم الفراش يومين.
وبهذا انتهت المرحلة الأولى من هذه الحياة التي لم تكن مستقرة بعد.. حياة الحب الذي تداهمه الحوادث والمنغصات فتكاد تقضي عليه!

العودة للقاهرة
ثارت في نفسي ثائرة الغضب من دس الدساسين ومن حماقة ذاك المحبوب الأرعن الذي عمي عن نصيحتي وعن عواطفي وحناني وصدق الوشاية. والمرء في ثورة الغضب يضحي أنفس النفائس ليتخلص من الموقف الذي أثار غضبه، وهكذا أردت أن أتخلص بصورة نهائية من محمد فأضع حدًا للصبيانيات المزعجة التي بدأت بالاتهام السخيف.
ولم أشأ التردد أو الانتظار حتى تهدأ ثورة الغضب التي تمكنني من الاندفاع لقطع العلاقة الودية نهائيًا، فسافرت مبكرة جدًا إلى القاهرة على أول قطار قام من الإسكندرية مع هلال صديقنا.

 هذا النص هو مثال لنص يمكن أن يستبدل في نفس المساحة،

أحيانًا يرى الكاريكاتير الصورة أوضح مما هي عليه في الواقع.الرسمة لفنان الكاريكاتير الأسباني خوان سانتيش،منشورة في "مجلتي" مارس ١٩٣٧
-أرشيف مدينة الرقمي

لم تطل غيبة محمد في الإسكندرية فأسرع بالعودة وقابلني في القاهرة في منزلي. اعتذر، واعترف بخطئه في سوء الظن بالحب الذي يعبث بفؤادي، ثم ألح علَي في قبول الحل الوحيد الذي يقطع ألسنة الوشاة والدساسين، ويضع حدًا للتردد والشك وهو: الزواج.
كان من الواجب أن أفكر كثيرًا في قبول هذه المعاشرة الشرعية، ففحصت الأمر من كل وجوهه فرأيت:
أولاً- أن العاطفة التي تدفع محمدًا لطلب يدي حب واضح.
ثانيًا- أنني أبادله هذه العاطفة بل ربما كنت أصدق منه حبًا وأعظم اندفاعًا.
ثالثًا- محمد يظهر الحنان والعطف على

ولدي بصورة تدل على الطيبة، فكانت هذه العواطف الرقيقة الباعث الأقوى في انعطافي إليه انعطافا أصبح حبًا راسخًا.
رابعًا- سأفقد شهرتي في عالم المسارح وموارد كسبي كلها؛ فأصير زوجة حبيسة البيت ولكنني أضحي الشهرة والمال والربح الوافر في مقابل الهناء الصحيح في مهد غرام يحفظ كرامتي ويضمن لي راحة البال والطمأنينة.
خامسًا- أنني خُلقت لأكون زوجة وربة بيت لا مغنية منطلقة، وقد كنت على الدوام زوجة شرعية لها كرامة.
سادسًا- ولع محمد بي ومركزي باعتباري زوجة شرعية له يعوضانني من كل ما

أضحيه في سبيل الاقتران به، هناء وغبطة وحبًا صحيحًا شرعيًّا هكذا فكرت فوزنت كل الظروف، وكانت النتيجة أنني كنت مترددة لسبب واحد: هو خوفي من عدم دوام هذا الحب وأدرك محمد ما في نفسي، فألح في بكاء وتوسل حتى أثار في نفسي عاطفة الشفقة فقبلت، فاستدعى في الحال موظفا كبيرًا في دائرته وصديقا له وتمم عقد الزواج أمام شهود.
اعترضت على صحة هذا العقد فأقنعني هو ورفيقاه بأنه عقد صحيح شرعي، وهو كل ما يستطيع عمله الآن لعجزه عن عمل العقد الرسمي العلني خوفًا من الضجة المزعجة التي يحدثها إعلان أمر زواجنا للناس.

ثارت في نفسي ثائرة الغضب من دس الدساسين ومن حماقة ذاك المحبوب الأرعن الذي عمي عن نصيحتي

قبلت الزواج، واقتنعت بصحة العقد، فعاشرت محمدًا من تاريخ العقد وهو أول سبتمبر سنة 1924 معاشرة الزوج زوجها. وقد دفع لي مهرا قدره 500 جنيه، ثم قرطًا من الماس.
سافرنا إلى الإسكندرية فأقمنا بها شهرًا، كلانا في مقره، إنما تجمعنا السيارة والرياضة. فلما عدنا إلى القاهرة وجدت محمدًا استأجر بدون علمي مسكنًا لنا بشارع دوبريه بالتوفيقية بعمارة برفس. ففي هذا البيت بدأ شهر العسل.
فضينا الليلة الأولى في حديث كله وجد، وفي شوق لم تبرد ناره القبل، فأشرقت علينا شمس النهار قبل أن يغمض النوم العيون، فخرجنا إلى الطريق،

وفتح محمد اسطبله وأخرج سيارته فركبنا إلى ميناهوس فتناولنا هناك الفطور. تمر الحوادث فلا يبقى في الذاكرة غير ذكرها، وتمضي الأحلام اللذيذة فلا تترك في ذهن المرء غير خيالاتها، وتلك الليلة حادثة مرت ككل الحوادث، حلم لذيذ انقضى بانقضاء الليلة، فهل أثرها في نفسي كأثر كل حادثة مررت بها؟ وهل صورتها في ذهني كصورة خيالات الأحلام؟
كنتُ في تلك الليلة زوجة شرعية لمحمد شعراوي، وكنا في خلوة لا يعكرها وجود خادم أو رقيب، وكان بجانبي فتى أسلمت له قلبي وفتحت له مصراعي فؤادي. وكان الحب عاصفة تثور

لا يمكن أن يدوم الحب، ويستحيل أن يفي الحبيب بوعده، أو يحفظ إيمانه ما دام إنسانًا بشريًّا يتقلب بتقلب الظروف

بين الجوانح أحاول اتقاءها في كنفه، فارتمي بين ذراعيه فتنقلب ثورة العواطف استرخاء هو غيبوبة الموت.
فإذا اندلع لهيب الشوق اندلاعًا حاولنا إطفاءه بالقبلات، فكنت أشعر بروحي تنسل من بدني في حرارة القبلة فارتمي خائرة القوة واهنة الحيل، لأثور ثانيًا ثورة التي تعلم أن الهناء قصير الأجل، أو يتنبه هو تنبه الذي يحاول إزكاء النار ليحترق.
أيتها المرأة احذري أن تسلمي عنان قلبك لأصدق المحبين قسمًا وأبرهم وعدا؛ فإذا فعلت في ثورة الحب أو تحت تأثير الهوى في فؤادك فقد جنيت على نفسك أفظع الجنايات...!

لا يمكن أن يدوم الحب، ويستحيل أن يفي الحبيب بوعده، أو يحفظ إيمانه ما دام إنسانًا بشريًّا يتقلب بتقلب الظروف ويعيش تحت ضغط المؤثرات لا يمكن أن تصادف المرأة رجلاً يمتلىء قلبه بحب كالذي امتلأ به قلب محمد. ويتعذر أن يكون هذا الشاب خبيثًا إلى الحد الذي يخدع به المرأة بمظاهر حب كاذب له كل قوى الحب الصحيح الصادق. ويستحيل أن تبلغ حرارة.
(يتبع إلى الجزء الثاني)

اقرأ أيضاً

رسالة من المغنية إلى زعيمة النسوية

رسالة من المغنية إلى زعيمة النسوية

غرام بلا انتقام والأم تقود المعركة

غرام بلا انتقام والأم تقود المعركة

جمال عبد الناصر سوبر ستار

جمال عبد الناصر سوبر ستار

من القاهرة إلى غزة بدون طابع بوستة

من القاهرة إلى غزة بدون طابع بوستة

محمود عزمي: رجل العالم في مصر

محمود عزمي: رجل العالم في مصر

معارك النقيبة أم كلثوم

معارك النقيبة أم كلثوم