نحن إذن نتعامل مع “واقع”، محطة من محطات تاريخ الفن، ورفضُنا أو إنكارنا لهذا الواقع لن يغير من كونه واقعًا!
الخلط بين شيئين
كالعادة، في تعليقات الوسط الفني المحلي على نتاجات وأفكار الفن المعاصر، جاءت معظم التعليقات على العمل الفني الذي هو عبارة عن إصبع موز مثبت على الحائط بشريط لاصق، خلال آرت بازل في ميامي، للفنان الإيطالي ماوريتسيو كاتيلان، دون المستوى المفترض، بل سطحية وسخيفة ومحبِطة للغاية وتبيّن مدى ابتعاد المجال الفني عندنا عن عالم الفكر الذي دونه أصبح أي انتاج فني معاصر مجرد شكل بلا محتوى أو معنى. لا يعنيني من أمر هذا العمل هنا سوى ما يثيره من إشكاليات نحن في أمسِّ الحاجة إلى الوعي بها والتمعن فيها.
يعني أنا هنا لا يهمني تقييم هذا العمل فنيا، إذ ليس في نيتي أن أدافع عنه ولا أن أشجبه، ولكن بالنظر إلى قرن كامل من الممارسات الفنية التي أنتجت ما هو أغرب من هذا العمل، ليس أقلها تغليف فنانٍ إيطالي آخر في مطلع الثلاثينيات خراءَه في علبة (كان) طبع عليها “خراء الفنان” وبيعه بما يعادل وزن العلبة ذهبا، فقد أصبح هذا العمل، الذي نحن بصدده الآن واقعا فنيًّا، مهما سخرنا منه أو شجبناه. نحن إذن نتعامل مع “واقع”، محطة من محطات تاريخ الفن، ورفضُنا أو إنكارنا لهذا الواقع لن يغير من كونه واقعًا حدث ويحدث وترك أثره بالفعل على ما سوف يأتي.
المشكلة الأولى التي أرى أنه يجب الانتباه إليها هي عملية الخلط بين شيئين وعدم القدرة على التفريق بينهما: الأول هو العمل الفني نفسه كجسم للتأمل، والثاني هو عملية بيع هذا العمل والاتجار فيه بهذا الشكل المثير. عملية الخلط هذه جعلت الأمر كله أكثر تعقيدًا. فلو لم يتم بيع العمل أو لو كان للعرض فقط وليس للبيع لما أثار كل هذا الاستهجان. الاستهجان نتج عن السخرية الكامنة في مسألة بيع إصبع موز يساوي بالكاد دولارًا واحدًا بأكثر من مئة ألف دولار من وجهة نظر الكثيرين. يعني الاستهجان لا يطال العمل الفني في حد ذاته كجسد بصري وفكري يريد أن يقول شيئًا ما عن العالم