في الحقيقة، لا تقلقني الأرقام كثيراً ولم أعد أهتم بها. فليس لدي أكثر من التباعد الاجتماعي والعادات الصحية وتوعية الآخرين لأفعله.
نور: الأسى
أنا معزولة في مدينة تقرب مدينتي الأم، حيث يسكن والداي وأشقائي..
بعد غد سيمر على العزل شهر كامل، أخشى أن يطول، أن أبقى بعيدةً عن أمي، وأبي..
لا تكفيني مكالمات الفديو، ولا يكفيني النظر لصورهم، تأتي نوبات الهلع كل أسبوع مرةً واحدة، تدوام على ذلك.. كل ما أخشاه هو أن يحدث ماهو اسوء، الحمد لله..
السعودية هنا تبدو حريصة، أشعر بالأسى لنا ولكل العالم!
صلاح المولد: إعادة تعريف الخوف
بدأ أحد الأصدقاء مبادرة لكتابة رسائل للنفس أو للعالم عن ما بداخلنا
ومشاركتها مع الآخرين عبر أحد وسائل التواصل. في الحقيقة، ظللت لعدة أيام مُعجبًا بالفكرة غير أني لا أعلم كيف أبدأ. بعد عدة أيام زادت مخاوفي وهواجسي حول موضوع الحجر الصحي وتداعيات جائحة (إلى الآن) فيروس كورونا المستجد وبدأت الحاجة في التعبير عنها تتزايد. تذكرت تلك المدونة التي كنت أنشر فيها بعض المتفرقات، ووجدت أن آخر ما تم نشره كان في عام 2015. ويا له من عام!
عودة لمخاوفي التي تتغير كل يوم حول هذا الموضوع: في الحقيقة، لا تقلقني الأرقام كثيرًا ولم أعد أهتم بها. فليس لدي أكثر من التباعد الاجتماعي والعادات الصحية وتوعية الآخرين
لأفعله. فمتابعة الأرقام بعد ذلك هو مجرد عبء نفسي لا أتحمله. دائمًا ما ألجأ إلى بعض الحيل لأتحاوز مخاوفي. أولاً، أتصور الأسوء بكل تفاصيله وكل تبعاته. أستعد له وأضع خطة للتعامل معه جيدًا وأتأهب له نفسيًّا. أذكر نفسي ببعض ما كنت أتصوره “الأسوأ” الذي مررت به وتجاوزته. أخبر نفسي أن “كل هذا حتمًا سيمر”. عبارة لم أجد أصدق منها قط.
وثانيًا، أبدء في التفكير بشكل علمي بحت وبمنظور عام وشامل ونظرة مستقبلية للأمور. أحاول أيضًا البعد عن الوضع الراهن والتعامل مع المستقبل. فمثلاً، لا أتابع الأرقام اليومية لمجرد معرفة الوضع ولكن للنظر إلى العالم كله
على أنه يمر بتجربة ما وأن علي تحليل ما يجري ودراسة كيف ينتهي وماذا بعد نهايته.. ومن هنا، أستطيع بطريقة ما بالخروج من حيزي العاطفي المتصل بمن أحب وخوفي على فقدهم إلى نطاق أكبر يتعامل مع الأرقام والمعدلات ويتجنب عاطفته. أليس هذا ما يجب أن يفعله البعض لكي يصل إلى حل ما وينقذ العالم! (ويكأني سأنقذه!).
عادة ما تفلح تلك الطريقة (على الأقل معي) في تجاوز تلك المِحن. لكن الوضع هنا أعظم وأجّل. فلم يكن غريبًا اختبار أنواع أخرى جديدة من المخاوف. بالأحرى هو خوف من المعركة!
مع بداية حياتي العملية بعد التعليم الجامعي قامت ثورة يناير 2011.
كنت وقتها شابًا سلفيًّا من مدينة طنطا على وشك الزواج من فتاة عرفها في الجامعة وانتقل ليستقر في القاهرة حيث فرص العمل. مع قيام الثورة وانتقالي للقاهرة، بدأت في إعادة تعريف الأشياء وإدراك لكثير مما لم أكن أراه. عملية مرهقة استمرت لسنوات. الكثير من المجهود والمقاومة مع النفس ومع الآخر. المعركة التي ما زالت مستمرة إلى تلك اللحظة. اعتقدت لبعض الوقت أن العِقد الثالث من العمر –كما يدّعي الكثيرون – هو الوقت الذي تبدأ الأفكارفيه بالنضوج! إعتقدت أني سأحصل على هُدنة قصيرة. وجاءت الجائحة (كم هي معبرة كلمة “جائحة”) لتطيح بما كان مع الكثير من
القراءات عن ما هو قادم وما نحن فيه، نجد أننا (أو على الأقل أنا وحدي) على مشارف إعادة تعريف لكل ما كان وكل ماهو آت. كل تصورتنا عن المنظومات السياسية والمجتمعية والاقتصادية سيتغير حتمًا. بل كل تصوراتنا عن المجتمع وعن علم النفس والسلوك سيتغير حتمًا. يالها من معركة أخرى! هنا، لم تفلح خطتي في أن تعبُر بي من تلك المخاوف. ووجدت نفسي أواجه مخاوف أخرى. ليس لها علاقة بالموت أو حتى موت من أحب. وإنما هو خوف من عدم القدرة على إعادة تعريف الأشياء مرة أخرى. خوف من خسارة تلك المعركة التي ستحتاج طاقة قد تفوق قدرتنا وقتها. آمل أن ينتهي
(أو على الأقل يمر) كل هذا. وأن نستطيع التعافي سريعًا دون أن تنهكنا محاولات التعافي الاقتصادية ومحاولات البقاء. وأن يتبقى لنا بعض الطاقة لمحاولة فهم ما حولنا وإدراكه وتعريفه. معاذ محمد: في مدح الاعتيادية
اذا نظرنا للأزمة الحالية بمنظور شاعري، يمكننا رؤية الحنين الواضح للأحداث العادية التي لم تعد عادية، الجلوس في المقهى، التسكع في الشوارع، العودة للمنزل بعد منتصف الليل مترنحًا كسلطعون، البارات والمطاعم وكرة القدم حتى لو كانت في حالتنا المحلية مجرد بث تليفزيوني، التكرار اللانهائي لأي فعل يدخلة في اطار الاعتيادية مهما بلغت قيمتة وعندما يصبح الفعل
اعتياديًّا نكسبة صفة الملكية الشخصية، فتصبح الأحداث ملكًا لنا لأننا من خلقناها من العدم ولأننا نمتلك ارادة خلقها ألوف المرات دون التفكير في في سياق استثنائي مثل السياق الحالي الذي سلبنا ما اعتقدناة جزءًا من قدراتنا كبشر. تبرز قيمة الفعل في حالتين، النشوة الأولى لممارسته أوعندما يحضر مضادة، لا قيمة لانتظار الليل إن لم يسبقه النهار، تحولت دفة الاعتيادية بين ليلة وضحاها لتنبذ كل الأفعال والأنشطة التي كنا نمارسها دون أي إحساس بالامتنان لوجودها –وهذا طبيعي– لتضم أحداثًا أخرى ولكنها تقع وسط جدران مغلقة، مانيفستو الاعتيادية الجديد، هوى سقف
التوقعات وأصبح أقصى الآمال الشخصية هو التسكع في الشوارع بعد منتصف الليل وليس السفر إلى أوروبا..
من المجنون الذي يريد السفر إلى أوروبا الأن؟ تصبح الحياة أحيانًا كالبورصة، يمكن للسهم أن يهوي دون إنذار، من كان يصدق أنني يمكني طرح هذا السؤال في 2020. ربما كانت هذة المعضلة الوحيدة للرفاهية المطلقة، لا شىء مبهر، لا شىء مستحيل، إحساس السعادة المر المشابة بإنهاء كل تحديات لعبة إلكترونية في اليوم التالي لشرائها، أنت سعيد بمهارتك لكنك حزين لانتهاء العرض.. ربما كان تحول دفة الاعتيادية مفيداً للصحة النفسية للبشر في هذا التوقيت على ما يبدو، صحيح ان العزلة
اللوحة لكنت مونكمان
تفك قيود الوحوش القاطنة بداخلنا.. لعبة وجودية بسيطة سنرى نتائجها بعد انتهاء الأزمة الحالية مهما طال أمدها، سيرقص الناس في الشوارع وستصدح الموسيقى وسط الأبنية، ستكون لحظات سعيدة مهما انتفخت فاتورة الضحايا، ولكنها ككل الحظات السعيدة، ستنتهي، وسنعود مرة أخرى لطاحونة الاعتياد لكن بذاكرة حية تبرهن أن السعادة مجرد مراوغة عقلية، فهل تستطيع تنفيذها؟
* صورة الغلاف كورنيش الإسكندرية في أبريل 2020. تصوير وتلوين رقمي: عمرو عادل!