في منتصف القاعة أدركت أن الجمهور التقليدي لدرويش يحجز مساحته في المقاعد الأولى؛ من بقايا جمهور تربى على أمسيات الشعر يشبه فيها الشاعر المغني!
مال الضابط صاحب الرتبة الكبيرة على الآخر الأقل عمرًا ورتبة “هو محمود درويش مشي؟”.
كان الشاب مشغولاً في حوار مع زميل له بالملابس المدنية، وانتبه فجأة لسؤال قائده، ثم انتبه مرة أخرى إلى ارتباك خفيف أمام الباب الرئيسي للجامعة الأمريكية؛ محمود درويش يخرج بخطوات رشيقة، يسبقه قليلاً علي أومليل المفكر المعروف وسفير المغرب في القاهرة لاحقًا، وخلفه بخطوات الروائي المصري المعروف أيضًا جمال الغيطاني رئيس تحرير “أخبار الأدب” آنذاك.
“إنهم متجهون إلى سهرة دبلوماسية”. قال الصحفي الشاب في لهجة المطلع
على الأمور!
أما الضابط وكبيره فقد انهمكا في حديث روتيني في أجهزة اللاسلكي التي كانت مع سيارات الشرطة وعربات التصوير الخارجي للتليفزيون توحي بأن هناك حدثًا خطيرًا في قاعة إيوارت. التي أصر صديقي عندما سألته عنها:
أين هي بالضبط.. أنا أخلط بينها وبين القاعة الشرقية؟!
أن يقول بثقة “يا راجل.. إيوارت التي غنت فيها أم كلثوم”..
ثم أضاف بعد قليل “التي استمعنا فيها إلى محاضرة إدوارد سعيد”. عرفتها من إدوارد سعيد، على الباب التقيت أولاً بامرأة في ملابس سهرة، وشباب كثير من الجامعة الأمريكية شعرت بالغربة..
لم تكن هناك أخبار كافية عن الأمسية وأن الدعوة تبدو كأنها مغلقة على أجواء الجامعة، وإن الشعر الآن بلا جمهور، وبأن الناس تغيرت أذواقها بعيدًا عن شعر القضايا. لكن محمود درويش امتلك غالبًا ما يثير الفضول، وخرج من جلده أكثر من مرة، وكان قادرًا على إحداث دهشة ما، شعراء كثيرون ماتوا في الفترة الفاصلة من المقاومة القديمة إلى الانتفاضة، أو في المرحلة الانتقالية من الأغنيات المسلحة إلى رومانتيكية العودة..
لكن محمود درويش كان مختلفًا عندما كتب “لماذا تركت الحصان وحيدا”. وهذا سر أنه لم يردم مع كورس القضية أو يدخل في حسابات التاريخ وهو لا