هذه مدينة تحت سيادة المنتصرين والأقوياء.. كيف نعيش فيها عزلتنا الإجبارية؟ كيف ندخل في كرانتينا مفتوحة ونحن لا نتنفس إلا في فقاعات العزلة الاختيارية؟
1
على من تعود هذه “النا” الجماعية؟ ربما هي “نا” من قبيل التفخيم لمجموعة من الغرباء الأبديين أمثالي، يضجرون سريعًا من الجماعات، ويهربون إلى نوع من العزلة الاختيارية، إنقاذًا للذات من فائض الاتصال مع العقل الجمعي.
ربما تعود هذه “النا” أيضًا على مجموعة متخيلة؛ كلهم فرادى ومعلقون بين الحب واللعنة لهذه المدينة.. بينهم وبين جماعات على هامش المجتمع صلات قرب في الغربة والحساسية من كل منتجات الثقافة السائدة والمسيطرة والتي تكون طبقات
من طول العشرة مع تزنخها..
(الزناخة تعبير شعبي عن طول التصاق الوسخ وتمديد عمره على شيء في الأصل يوصف بالجمال وفي الباطن يجذب كل العفن المحاطة به البشرية كلما التقى أكثر من شخصين).
2
“النا” تعبر عن شخصي أنا بالتحديد، وعن كل ما اختبرته في تجارب اللقاء مع العقل الجمعي، بلحظاتها القليلة المشبعة بالمشاعر الملتهبة وما تصنعه من مشاعر بلهاء، مصحوبة عادة بقطرات دموع دافئة تعبيرًا عن فرح غامر، ووعي بعدم اكتماله سوى
بالشجن الصافي؛ شجن نقاومه عادة بالتجاهل، أو بوضعه في علب مهملة من التعالي، لكنه موجود ولا يمكن إخفاؤه في لحظات ندرك فيها ألا شيء يدوم.
والحياة قائمة على الصدمات مهما توغلنا في صنع الاستقرار المدلل منذ أن عرفناه مع العصر الأمومي؛ حين كانت المرأة هي صانعة الاستقرار أو من بعدها مع العصر الذكوري حين اقتنص الذكور السلطة بالقوة، فكل استقرار يحتاج قوة لتحميه، والقوة تطلب في المقابل السلطة، والسلطة بعد قليل توغل في الاحتكار والتمدد لأنه لا يدوم سوى التغيير والصدمة والمفاجآت.