إنجبورج باخمان هذه الشاعرة النحيلة، ذات الوجه الطيب، والعيون الخجولة الوديعة.. لم يشك أحد في أن هذا الذي يسمعه من شعر؛ يأتي منها وحده!
في 2015، وأنا أتجول بسور الأزبكية وقع في يدي كتاب مترجم ذو عنوان لافت “البلد البعيد” للدكتور عبد الغفار مكاوي، طبعة قديمة بغلاف أخضر، صدرت في عام 1968، عليها رسم لفتاة ذات شعر طويل وفي قلبها وردة.. أما بقية العنوان فكان دراسات في أدب جوته وشيللر وبُشنر وبرخت وڤنكلمان وإ. باخمان وبيراندللو وتشيكوف وألبير كامي.. كانت إ باخمان هي حسبما عرفت من الكتاب حين تصفحته في طريق عودتي للبيت هي إنجبورج باخمان الشاعرة النمساوية التي سأبحث عنها كثيرًا بعد ذلك.. وجاء المقال الأخير في الكتاب عنها تحت عنوان “نداء الدب الأبيض”..
عرفت لاحقًا أنه عنوان ديوانها الذي صدر في عام 1957. “كانت القصائد القليلة التي قرأتها أمام جماعة السبعة والأربعين (وهي جماعة من أدباء الشباب التَفوا بعد انتهاء الحرب حول الكاتبين الكبيرين هانز فرنر رشتر وهينريش بُل، ليُنشئوا أدبًا جديدًا يعيد للألمان كرامتهم وإنسانيتهم، بعيدًا عن صراع السياسة والمذاهب في الشرق والغرب)، كافيةً لكي يعترف الجميع بمولد أعظم موهبة في الشعر الألماني الحديث.. فاطمأنَّت قلوبهم إلى أن الشعر لا يزال بخير، وأن أنبل ما في تراثهم يتصل الآن على لسان هذه الشاعرة النحيلة، ذات الوجه الطيب، والعيون الخجولة الوديعة..
لم يشك أحد في أن هذا الذي يسمعه شعر؛ هذه النغمة، هذا البعد، هذه المغامرة، هذا الحزن النقي الجسور، في أن هذا كله يأتي منها وحده”. هكذا قدمها عبد الغفار مكاوي، مثيرًا فضولي، مستفزًا جهلي بها، وبعد التغاضي عن كل هذه الصفات والمحسنات اللغوية، التي سأتأكد أنها ليست من قبيل المبالغة ولا التهويل، أكملت المقال لأنهيه وقد تعرفت على واحدة من شعرائي المفضلين على الإطلاق.. لكن المقال، الذي كان تعريفيًّا، لم يكن كافيًا، ولم يشبع فضولي ورغبتي في المزيد، بحثت عن كل ما ترجم لها على الإنترنت، عرفتها أكثر، ووجدت قصائد قليلة متفرقة، لكنها لم تكن كافية