مع كل هذا التاريخ فلا ذاكرة لتحية كاريوكا.. لا أرشيف في واقع مليء بالثقوب فماذا يتبقى من شهوة زائلة وملذات صغيرة غير الوعظ الأخلاقي والمطلق الخانق؟!
أي حياة ستكون لها بعد موتها؟
بهذا السؤال ختم إدوارد سعيد مقاله الثاني (كتبه لأسبوعية الأهرام ويكلي المصرية) عن تحية كاريوكا بعد رحيلها. وعلى عكس المقال الأول (نشر في مجلة لندن ريفيو أوف بوكس) كان متشككًا أكثر، على مسافة أبعد من الانبهار بمقابلة “نجمة عاصمة الملذات“، كما يمكن في المقالين أن نلخص صورة تحية وصورة القاهرة.
عاصمة الملذات
في مقالة ما بعد الموت كان التركيز على موقع تحية، فهي نجمة “محلية”؛ أو ظاهرة لا تقبل الترجمة إلى ثقافات أخرى، فقد “بقيت مجهولة خارج خارج العالم العربي رغم شهرتها المذهلة فيه"
التي تعتمد على “مهارتها المذهلة التي لم ينافسها فيها أحد كراقصة، وأيضًا فتنتها المصرية…”. والفتنة المصرية توصيف مثير؛ قد يلائم الباحثين عن أوصاف كبيرة لموقع تحية كاريوكا في تاريخ مصر الحديث، خصوصًا وأنه يربط بينها وبين صورة مستقرة عن “الروح المصرية” أو ما يسمى كذلك في كتابات توارثتها الأجيال…
والمقصود بمصرية الفتنة بالتحديد هو ما فيها من “التلاعب الساحر بالكلام، وتلك الإيماءات وروحية المناكفة والغزل، وهي تمامًا الصفات التي جعلت العالم العربي دومًا يعتبر مصر عاصمة في مجال الملذات وفنون الإغراء والقدرة التي لا مثيل لها على المزاح والألفة”.
يعتقد سعيد أن “غالبية عرب المشرق يتفقون، ولو في شكل عام، على أن السوريين عبوسين، واللبنانيين أذكياء، وعرب الخليج لا يخلون من خشونة، والعراقيين زائدي الجدية، لا يستطيعون مقاومة إغراء ما تقدمه مصر منذ قرون، وبأعداد هائلة، من الفنانين والمهرجين والمغنين والراقصين”. ومع عيوب “التنميط” فالانطباع الشائع الذي تكرسه كلمات إدوارد سعيد ما يزال التفسير الوحيد لما يسمى عادة “الخفة المصرية” أو “اللطافة المصرية” التي تعتبر من أساسيات صورة المصريين عن أنفسهم، ويتعامل معها على أنها "حقيقة مطلقة” أو “ميزة إلهية” لا نتيجة تفاعلات سياسية واجتماعية