يضع فاروق الفيشاوي حقائقه في أحواض شفافة، يلعب السمك الملون داخلها، فيراه، ونراه نحن أيضًا.. ولا نحب الذين يتكلمون عن الموتى مثل تماثيل المثالية!
الناس يموتون كل يوم، لكن لا تموت كل يوم كتلة من اللهب، حتى وإن أخذت نارها في الخفوت منذ فترة..
هذه المدينة تمشي بعينيها وراء النار.. وراء مشعلي النار.. ومشعلو النيران لا يعرفون سوى التعامل مع الحقيقة، حتى وإن كانت الحقيقة غريبة.. نعم هناك حقائق غريبة، في هذه المنطقة الرخوة من العالم، لا يحب الناس الحقائق، ولا يعترفون حتى بأحقيتهم العلنية في الحياة، في المتعة، في النبش بأصابع ذهبية، في الثمالة.. الناس هنا إن رغبوا أخفوا، وإن دفعوا مقابل متعتهم خبئوها في أكياس سوداء.. لهذا ثار الكلام، والكلام سهل، ليس كالفعل..
كاقتناص الحيوية من فم النمور.. ثار الكلام لأن من مات هذه المرة، فاروق الفيشاوي، الذي كان يضع حقائقه في أحواض شفافة، يلعب السمك الملون داخلها، فيراه، ونراه نحن أيضًا.. نراه ولا نحب الذين يتكلمون عن الموتى مثل تماثيل المثالية أو علب الفضيلة علي رفوف المجتمع أو الذين ينتقمون من الميت لأنه لم يكن من قطيعهم البليد.. هذا سلام وداع لمغادر ستفتقده المدينة.
نبدأ سلامنا بآخر صورة نشرتها الشركة المنتجة لعمله الأخير؛ مسرحية “الملك لير” (صورة الغلاف)، ثم نقرأ البورتريه الذي كتبه آدم مكيوي!
ليس من الصعب إطلاقًا الإمساك بشخصية فاروق الفيشاوي الذي رحل عن دنيانا بتمهيد؛ عندما خرج على الملأ في حفل تكريمه بمهرجان الإسكندرية السينمائي وأعلن ببساطته وارتباكه المعهود عن إصابته بالسرطان. فالفيشاوي اختار العلن في كل تفاصيل حياته، وفي كل تجلياته بلا مواربة؛ اختار أن يكون إنسان المدينة وإنسان المجتمعات؛ أي L’homme de la vie mondaine بالتعبير الفرنسي.
معتاد السهر دائمًا ينتقي مكانًا مفضلاً يتحول بحكم العادة والروتين إلى مقصده اليومي أو الأسبوعي، وعندما يكون هذا الشخص مشهورًا، يصبح من