أبتسم ابتسامة خفيفة وأفكر أنه ها هي الابتسامات واللغة في السباحة الطويلة، لكن أعود وأفكر أنها توجد فقط عند فواصل التوقف. يؤكد هذا فكرتي.
ينتبه جسدي بالكامل لحظة انغماسه في مياه نيل دمياط. يتشوَّش إحساسي في اللحظات الأولى. ذكرى أول قفزة في نيل القاهرة منذ شهور قليلة، بداية تدريبات سباحة المسافات الطويلة، مع ذكريات المشي الطويل من البيت إلى النيل وعلى جانبيه، منذ أن أصبحت أكبر ويمكنني الذهاب بعيدًا.
المشي بلا هدف إلا المضي بمحاذاته والجلوس في مواجهته وتأمل جريانه البطيء المُثقَل بأشياء لا أعرفها. ها أنا الآن فيه. أشعر بهذا الثقل. تختلط ذكريات هيبته بذكرى لمس يدي لكيس بلاستيك أو قطعة خشب أو أشياء رخوة مجهولة الهوية علقت بذراعي أو رجلي. رؤيتها من الخارج لا تفسد هيبته كثيرًا.
لحسن الحظ أن القليلين فقط هم من يفكرون في السباحة فيه، على الأقل في القاهرة. نيل القاهرة الجميل الملوث. من أين تأتي كل هذه الأشياء فيه؟ أعرف من أين تأتي طبعًا.
أفكر أنني ربما ألتقي هنا الأشياء نفسها التي التقيتها في نيل القاهرة. هل سبحت تلك الأشياء ببطء مع التيار شمالًا في طريقها إلى البحر المتوسط لألتقي بها مرة أخرى والتيار يتباطأ وهو يمر بين دمياط وراس البر، حيث أنا الآن أخوض أول سباق كسبَّاح مسافات طويلة؟
من المفترض أن يكون السباق الأول في مسيرة طويلة تبدأ، ولكني أفكر كل يوم لماذا بدأتها وكيف أُنهيها..
ولا أجد أمامي إلا الاستمرار. أسبح ببطء نحو قارب الفريق، حيث ينتظرنا المدرب ومساعده. يتجمع فريقنا المُكوَّن مني واثنين آخرين حول القارب، أنا ومراد ومنار. اختارنا المدرب، الذي لا أذكر له اسمًا ولا وجهًا، لنخوض التجربة، أول بطولة للجمهورية للفريق الذي شكَّله حديثًا نادي يخت الجيزة. جمَّعنا من فرق سباحة المسافات القصيرة لعدة أندية. أتذكره واقفًا على حافة حمَّام سباحة نادي الترسانة يتفحصني أنا ومراد ونحن نلتقط أنفاسنا بعد سبرينت خمسين متر حرة، يعاين صفقته الجديدة ويتحدث إلى مدربنا وقتها في نادي الترسانة، أذكره جيدًا: محمد عبد الجليل، يشبه