لنفترض أننا استيقظنا غدًا بالمعنى الحرفي لكلمة غدًا، على خبر الاختفاء التام لوباء الكورونا! ماذا سيكون موقفنا المباشر من هذا الخبر؟
1. الوباء والزمن
لنفترض أننا استيقظنا غدًا (بالمعنى الحرفي لكلمة غدًا)، على خبر الاختفاء التام لوباء الكورونا! ولنفترض أيضًا أن هذا النبأ صادق في حد ذاته، ويشير إلى واقع حادث بالفعل، أو أنه يفي بمتطلباتنا أو شروطنا الذاتية للتصديق أيًّا كانت، بمعنى أنه إذا كان لدى كل منَّا ما ينتظره أو يتوقعه أو يشترطه من أجل التصديق أو الإقرار بشيء كهذا؛ فإن هذا الخبر –وفقًا لافتراضنا– سيكون قادرًا على الوفاء بهذه الشروط جميعًا. والسؤال الآن: ماذا سيكون موقفنا المباشر من هذا الخبر؟ علينا أن نشير أولاً إلى أن انمحاء الوباء الحالي هو الحدث السعيد الذي يتوقعه الجميع
بلا استثناء.. ولذلك “بديهي” أن ظهور خبر يطابق هذا المتوقع سيجعل استقباله سلسًا للغاية فنصدقه على الفور، ولكن مع هذا فإن الكيفية التي سنستقبل بها هذا الخبر تبدو محكومة بعوامل كثيرة شديدة التعقيد والتداخل، وبالتالي فإذا ما تأملنا قليلاً في تلك الحالة الافتراضية، فقد نجد أن هذه البداهة تتراجع على نحو غريب لتحل محلها بداهة أخرى معاكسة، إذ سنجد تفكيرنا أميل إلى أننا جميعا سنستغرق وقتًا –قد يطول أو يقصر– قبل أن نتمكن من إبداء تقييم متوازن إزاء هذا الخبر، أولاً، ثم فحص مبررات تصديقه وإقرارها، ثانيًا، ما رد فعلنا اللحظي فقد لا يتجاوز الإنكار والنفي والتمني
والسخرية العنيفة والقاسية.. ناهيك بالانخطاف تجاه التفسيرات التي تسعى إلى تقصي وتجسيد تلك المؤامرات التي تريد الإيقاع بنا لغرض ما (وبعيدًا عن التفكير الافتراضي فواقعيًّا لا يزال أغلبنا يجد صعوبة كبيرة في تصديق أن الصين قد سيطرت بالفعل على انتشار الوباء!). وهكذا فإن تلك الحالة الافتراضية التي بدأنا بها تأملنا تضعنا أمام ظاهرة دقيقة وغريبة بعض الشيء، ظاهرة تحول البداهات وتعارضها أو حلول بعضها محل البعض الآخر، وهو سياق لم تهتم الفلسفة –لا قليلاً– بالتوقف عنده، فباستثناء بعض العناية الكانطية ثم الهيجلية بمسألة التحول الذاتي لمثل هذه الأفكار، فقد كانت البداهة الثابتة