كيف تصير مدينة ما جمالاً قادرًا على أن ينزع الغضب من العالم؟ أهو البحر أم الشوارع القديمة أم ماكوندو؟ أم الشعور بالحرية!
كنت في صغري دائما أعدُّ الصداقة رفيقة المشي. أصدقائي المقرّبون هم أولئك الذين أقضي معهم ساعات وساعات نمشي دون وجهةٍ يحكي كل منا للآخر حكايته، وكأن الحكاية لا تتمّ بل لا تبدأ إلا مشيًا. كذلك علاقتي مع المدن.
لا زلت أذكر أول يوم وصلت فيه مطار مدريد بحقيبة انكسرت عجلاتها في الطائرة، تحت شمس الظهيرة، أجرُّ ثقلها ورائي في شوارع العاصمة الأوروبية الأولى التي عرفتها، في الطريق إلى «باب الشمس» حيث كان ينتظرني صديقي المصري ليأخذني إلى بيته.
أظن أن علاقتي السيئة بمدريد تعود إلى المرات العديدة التي مشيت فيها يائسًا مثلاً بحقيبتي لا أعرف ماذا أفعل!
ناصية شارع العزلة حيث نزل الحي؛ أول مساكني في المدينة القديمة
أذكر كذلك أول يومٍ أمشي فيه في شوارع سلمنكا تحت المطر بخريطتي الورقية المبتلّة وصوت الشاب الجزائري يلمس كتفي ويسألني: عربي؟
كنت لا أعدُّ نفسي صديقًا مقرَّبًا لأحد من مجموعة أصدقائي إن لم نكن مشينا معًا وحدنا. كذلك المدن، علاقتي بكل مدينة تبنى على ليالي المشي وأنهر الجري والهرولة وصباحات السعي.
تبدأ علاقة الإنسان ببعض الأشياء والأشخاص والأماكن قبل اللقاء الأول، كما تبدأ أحيانًا بأول لقاء، وأحيانًا أخرى لا تبدأ إلا بعده أو لا تبدأ أبدًا وإن تكرّر اللقاء.
سمعت عن كارتاخينا دي إيندياس طوال شهوري الأولى في إقامتي في