البشر في فيلم عمر الزهيري هم بشر نسيهم الله، والفيلم نفسه لم يسلم من اللعنة والدعوات لإخفائه مثلما يرغبون في إخفاء أبطاله!
مع تتر نهاية فيلم عمر الزهيري “ريش” الحائز على الجائزة الكبرى في مهرجان كان في أسبوع النقاد، يجتاحك فيض جارف من المشاعر المتناقضة والمربكة؛ فالفيلم مليء بالحيل والفخاخ العقلية، ينقلك من حالة الضحك الخافت إلى السكون ثم الصدمة ثم الاندهاش، في حركة دائرية، فما إن تبدأ في الاستغراق في الضحك على مشهد عبثي لقرد يقفز ليلتصق بزجاح سيارة مهرب يغني بصوت قبيح وهو يلاحق ساحرًا وهميًّا حوَّل رجل إلى فرخة، حتى تصطدم بمشهد آخر غارق في القسوة.
ربما لو مشيت وراء خيط القصة الرئيسي ستتعاطف مع البطلة الرئيسية التي تمسك بزمام الحبكة من أول الفيلم
حتى نهايته الصادمة، لكن مهلاً، لا أعتقد بأي حال من الأحوال أن الزهيري وهو يصنع فيلمه كان يريدك أن تشاهد حدوتة قهر تقليدية عن بشر مهمشين سحقتهم الظروف وفرمتهم آلة العمل وداسهم وحش البيروقراطية الخرافي. دعنا من الحبكة أو القصة أو الحدوتة، أو كما تحب أن تسميها، الأمر هنا ليس متعلقًا بالأحداث رغم تسارع الإيقاع وعدم سقوط الفيلم في منزلق البطء أو الترهل. المخرج صنع عالمه شديد الخصوصية مزج فيه ما بين الجدية والتجهم والعبث والسخرية بطعم الخل.
إن بشر عمر الزهيري هم بشر نسيهم الله..
كأنهم جوقة ممثلين رُحل يجوبون البلاد غارقين في ثياب رثة، جلدهم تغضن بفعل أحافير الزمن، ثيابهم مبهرجة غير متناسقة باهتة الألوان كأنها ثياب مستعملة تباع على الأرصفة تحت الكباري.
قديمًا وصف زولا في روايته “جرمينال” المنجم الذي يعمل فيه العمال كأنه أخطبوط يمد أذرعه العملاقة يمتص دم الفقراء ويرسله في أنابيب إلى الشركة في المدينة لتنتعش إيرادتها، أما في حالة عمر فالمصنع الذي يتموضع في خلفية الأحداث كأنه تنين خرافي عجوز، منهك قبيح الملامح ينفث من منخاره دخانًا سامًا مترعًا بالرصاص يتسرب إلى داخل منزل الأسرة فيسمم الجو ويعمق ملامح